الافصاح الثالث: في أقسام الناس بحسب العلوم اعلم أنهم باعتبار العلم والصناعة قسمان اعتنى بالعلم فظهرت منهم ضروب المعارف فهم صفوة الله تعالى من خلقه وفرقة لم تعتن بالعلم عناية يستحق بها اسمه فالأولى أمم منهم أهل مصر والروم والهند والفرس والكلدانيون واليونانيون والعرب والعبرانيون. والثانية بقية الأمم لكن الانبه منهم الصين والترك. وفى الملل والنحل ان كبار الأمم أربعة العرب والعجم والروم والهند. ثم إن العرب والهند يتقاربان على مذهب واحد وأكثر ميلهم إلى تقرير خواص الأشياء والحكم باحكام الماهيات والحقائق واستعمال الأمور الروحانية والعجم والروم يتقاربان على مذهب واحد وأكثر ميلهم إلى تقرير طبائع الأشياء والحكم باحكام الكيفيات والكميات واستعمال الأمور الجسمانية انتهى.
وفى بيان هذه الأمم تلويحات: التلويح الأول: في أهل الهند اعلم أن لون الهندي وإن كان في أول مراتب السودان فصار بذلك من جبلتهم [1] [جملتهم] الا انه سبحانه احلامهم] وفضلهم على كثير من السمر والبيض وعلل ذلك بعض أهل التنجيم بان زحل وعطارد يتوليان بالقسمة لطبيعة الهند فلولاية زحل اسودت ألوانهم ولولاية عطارد خلصت عقولهم (ولطفت) أذهانهم فهم أهل الآراء الفاضلة والاحكام الراجحة لهم التحقق بعلم العدد والهندسة والطب النجوم والعلم الطبيعي والإلهي فمنهم براهمة وهى فرقة قليلة العدد ومذهبهم ابطال النبوات وتحريم ذبح الحيوان ومنهم صابئة وهم جمهور الهند ولهم في تعظيم الكواكب وأدوارها آراء ومذاهب والمشهور في كتبهم مذهب السند هند أي دهر الداهر ومذهب الارجهير [2] ومذهب الاركند ولهم في الحساب والأخلاق والموسيقى تأليفات.
التلويح الثاني: في الفرس وهم اعدل الأمم وأوسطهم دارا وكانوا في أول امرهم موحدين على دين نوح عليه السلام إلى أن تمذهب طهمورث بمذهب الصابئين وقسر الفرس على التشرع به فاعتقدوه نحو الف سنة إلى أن تمجسوا جميعا بسبب زرادشت ولم يزالوا على دينه قريبا من الف سنة إلى أن انقرضوا ولخواصهم عناية بالطب واحكام النجوم ولهم ارصاد ومذاهب في حركاتها. وانفقوا على أن أصح المذاهب في الأدوار مذهب الفرس ويسمى سنى أهل فارس وذلك أن مدة العالم عندهم جزء من