كشف الظنون - حاجي خليفة - ج ١ - الصفحة ٢٥
بعضها عن بعض باعتبار مخارجها وصفاتها حتى يحصل منها بالتركيب كلمات دالة على المعاني الحاصلة في الضمير فيتيسر لهم فائدة التخاطب والمحاورات المقاصد التي لابد منها في معاشهم.
ثم إن تركيبات تلك الحروف لما أمكنت على وجوه مختلفة وأنحاء متنوعة حصل لهم السنة مختلفة ولغات متباينة وعلوم متنوعة. ثم إن أرباب الهمم من بين الأمم لما لم يكتفوا بالمحاورة في إشاعة هذه النعم لاختصاصها بالحاضرين سمت همتهم السامية إلى اطلاع الغائنبين ومن بعدهم على ما استنبطوه من المعارف والعلوم واتعبوا نفوسهم في تحصيلها لينتفع بها أهل الأقطار ولتزداد العلوم بتلا حق الأفكار ضعوا قواعد الكتابة الثابتة نقوشها على وجه كل زمان وبحثوا عن أحوالها من الحركات والسكنات والضوابط والنقاط وعن تركيبها وتسطيرها لينتقل منها الناظرون إلى الألفاظ والحروف ومنها إلى المعاني فنشأ من ذلك الوضع جملة العلوم والكتب.
الافهام الثالث: في أوائل ما ظهر من العلم والكتاب واعلم أنه يقال إن آدم عليه السلام كان عالما بجميع اللغات لقوله سبحانه وتعالى وعلم آدم الأسماء كلها [الآية] قال الإمام الرازي المراد أسماء كل ما خلق الله تعالى من أجناس المخلوقات بجميع اللغات التي يتكلم بها ولده اليوم وعلم أيضا معانيها وانزل عليه كتابا وهو كما ورد في حديث أبي ذر رضى الله تعالى عنه أنه قال: يا رسول الله أي كتاب انزل على آدم عليه السلام قال كتاب المعجم قلت أي كتاب المعجم قال أب ت ث ج قلت يا رسول الله كم حرفا قال تسعة وعشرون حرفا الحيث وذكروا انه عشر صحف فيها سور مقطعة الحروف وفيها الفرائض والوعد والوعيد واخبار الدنيا والآخرة وقد بين أهل كل زمان وصورهم وسيرهم مع أنبيائهم وملوكهم وما يحدث في الأرض من الفتن والملاحم. ولا يخفى انه مستبعد عند أصحاب العقول القاصرة واما من أمعن النظر في الجفر ولاحظ شموله على غرائب الأمور فعنده ليس ببعيد سيما في الكتب المنزلة. وروى أن آدم عليه السلام وضع كتابا بأنواع الألسن والأقلام قبل موته بثلاثمائة سنة كتبها في طين ثم طبخه فلما أصاب الأرض الغرق وجد كل قوم كتابا فكتبوه من خطه فأصاب إسماعيل عليه السلام الكتاب العربي وكان ذلك من معجزات آدم عليه السلام ذكره السيوطي في المزهر. وفى رواية: ان آدم عليه السلام كان يرسم الخطوط بالبنان وكان أولاده تتلقاها بوصية منه وبعضهم بالقوة القدسية القابلية [القلبية] وكان أقرب عهد إليه إدريس عليه السلام فكتب بالقلم وأشهر عنه من العلوم ما لم يشهر عن غيره
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»