كشف الظنون - حاجي خليفة - ج ١ - الصفحة ٣٣
قد تفرق ملكها وتشتت امرها فضم الله سبحانه وتعالى به شاردها وجمع عليه جماعة من قحطان وعدنان فآمنوا به ورفضوا جميع ما كانوا عليه والتزموا شريعة الاسلام من الاعتقاد والعمل ثم لم يلبث رسول الله صلى الله تعالى وسلم الا قليلا حتى توفى وخلفه أصحابه رضى الله تعالى عنهم أجمعين فغلبوا الملوك وبلغت مملكة الاسلام في أيام عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه من الجلالة والسعة إلى حيث نبه عليه النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها فأباد الله سبحانه وتعالى بدولة الاسلام دولة الفرس بالعراق وخراسان ودولة الروم بالشام ودولة القبط بمصر فكانت العرب في صدر الاسلام لا تعتنى بشئ من العلوم الا بلغتها ومعرفة احكام شريعتها وبصناعة الطب فإنها كانت موجودة عند افراد منهم لحاجة الناس طرا إليها وذلك منهم صونا لقواعد الاسلام وعقائد أهله عن تطرق الخلل من علوم الأوائل قبل الرسوخ والاحكام حتى يروى انهم احرقوا ما وجدوا من الكتب في فتوحات البلاد وقد ورد النهى عن النظر في التوراة والإنجيل لاتحاد الكلمة واجتماعها على الاخذ والعمل بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم واستمر ذلك إلى آخر عصر التابعين ثم حدث اختلاف الآراء وانتشار المذاهب فآل الامر إلى التدوين والتحصين.
الإشارة الثانية في الاحتياج إلى التدوين. واعلم أن الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين لخلوص عقيدتهم ببركة صحبة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقرب العهد إليه ولقلة الاختلاف والواقعات وتمكنهم من المراجعة إلى الثقات كانوا مستغنين عن تدوين علم الشرائع والاحكام حتى أن بعضهم كره كتابه العلم واستدل بما روى عن أبي سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه انه استأذن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في كتابة العلم فلم يأذن له وروى عن ابن عباس انه نهى عن الكتابة وقال انما ضل من كان قبلكم بالكتابة وجاء رجل إلى عبد الله ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فقال انى كتبت كتابا أريد ان اعرض عليك فلما عرض عليك فلما عرض عليه اخذ منه ومحا بالماء وقيل له لما ذا فعلت قال لانهم إذا كتبوا اعتمدوا على الكتابة وتركوا الحفظ فيعرض الكتاب عارض فيفوت علمهم واستدل أيضا بان الكتاب مما يزيد فيه وينقص ويغير والذي حفظ لا يمكن تغييره لان الحافظ يتكلم بالعلم والذي يخبر عن الكتابة يخبر بالظن والنظر. ولما انتشر الاسلام واتسعت الأمصار وتفرقت الصحابة في الأقطار وحدثت الفتن واختلاف الآراء وكثرت
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»