كشف الظنون - حاجي خليفة - ج ١ - الصفحة ٢٦
ولقب بهرمس الهرامسة والمثلث بالنعمة لأنه كان نبيا ملكا حكيما وجميع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان انما صدرت عنه في قول كثير من العلماء وهو هرمس الأول أعني إدريس ابن يرد بن مهلا يل بن انوش بن شيث بن آدم عليه السلام المتمكن بصعيد مسر الاعلى وقالوا انه أول من تكلم في الاجرام العلوية والحركات النجومية وأول من بنى الهياكل وعبد الله تعالى فيها وأول من نظر في الطب والف لأهل زمانه قصائد في البسائط والمركبات وانذر بالطوفان ورأى أن آفة سماوية تلحق الأرض فخاف ذهاب العلم فبنى الاهرام التي في صعيد مصر الاعلى وصور فيها جميع الصناعات والآلات ورسم صفات العلوم والكمالات حرصا على تخليدها ثم كان الطوفان وانقرض الناس فلم يبق علم ولا اثر سوى من في السفينة من البشر وذلك مذهب جميع الناس الا المجوس فإنهم لا يقولون بعموم الطوفان ثم اخذ يتدرج الاستئناف والإعادة فعاد ما اندرس من العلم إلى ما كان عليه من الفضل والزيادة فأصبح مؤسس البنيان مشيد الأركان لا زال مؤيدا بالملة الاسلامية إلى يوم الحشر والميزان.
الفصل الثاني في منشأ انزال الكتب واختلاف الناس وانقسامهم وفيه افصاحات الافصاح الأول: في حكمة انزال الكتب واعلم أن الانسان لما كان محتاجا إلى اجتماع مع آخر من بنى نوعه في إقامة معاشه والاستعداد لمعاده وذلك الاجتماع يجب أن يكون على شكل يحصل به التمانع والتعاون حتى يحفظ بالتمانع ما هو له ويحصل بالتعاون ما ليس له من الأمور الدنيوية والأخروية وكان في كثير منها مالا طريق للعقل إليه وإن كان فيه فبأنظار دقيقة لا يتيسر الا لواحد بعد واحد اقتضت الحكمة الإلهية ارسال الرسل وانزل الكتب للتبشير والانذار وارشاد الناس إلى ما يحتاجون إليه من أمور الدين والدنيا فصورة الاجتماع على هذه الهيئة هي الملة والطريق الخاص الذي يصل إلى هذه الهيئة هو المنهاج والشرعة فالشريعة ابتدأت من نوح عليه السلام والحدود والاحكام ابتدأت من آدم عليه السلام وشيث وإدريس عليهما السلام وختمت بأتمها وأكملها فمن الناس من آمن بهم واهتدى ومنهم من اختار الضلالة على الهدى فظهر اختلاف الآراء والمذاهب من الكفار والفرق الاسلامية وكل حزب بما لديهم فرحون.
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»