كشف الظنون - حاجي خليفة - ج ١ - الصفحة ٢٧
الافصاح الثاني: في أقسام الناس بحسب المذاهب والديانات اعلم أن التقسيم الضابط ان يقال من الناس من لا يقول بمحسوس ولا بمعقول وهم السوفسطائية فإنهم أنكروا حقائق الأشياء. ومنهم من يقول بالمحسوس ولا يقول بالمعقول وهم الطبيعية كل منهم معطل لا يرد عليه فكره براد ولا يهديه عقله ونظره إلى اعتقاد ولا يرشده ذهنه إلى معاد قد الف المحسوس وركن إليه وظن أن لا عالم وراء العالم المحسوس ويقال لهم الدهريون أيضا لانهم لا يثبتون معقولا.
ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول ولا يقول بحدود والاحكام وهم الفلاسفة فكل منهم قد ترقى عن المحسوس وأثبت المعقول لكنه لا يقول بحدود واحكام وشريعة واسلام ويظن انه إذا حصل له المعقول وأثبت العالم مبدأ ومعادا وصل إلى الكمال المطلوب من جنسه فيكون سعادته على قدر احاطته وعلمه وشقاوته بقدر جهله وسفاهته وعقله هو المستبد بتحصيل هذه السعادة. وهؤلاء الذين كانوا في الزمن الأولى دهرية وطبيعية والهية لا الذين أخذوا علومهم عن مشكاة النبوة. ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول والحدود والاحكام ولا يقول بالشريعة والاسلام. وهم الصابئة فهم قوم يقرب من الفلاسفة ويقولون بحدود واحكام عقلية ربما أخذوا أصولها وقوانينها من مؤيد بالوحي الا انهم اقتصروا على الأول منهم وما تعدوا إلى الاخر وهؤلاء. هم الصابئة الأولى الذين قالوا بغاذيمون وهرمس وهما شيث وإدريس عليهما السلام ولم يقولوا بغيرهما من الأنبياء.
ومنهم من يقول بهذه كلها وشريعة ما واسلام ولا يقول بشريعة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وهم المجوس واليهود والنصارى.
ومنهم من يقول بهذه كلها وهم المسلمون وكانوا عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على عقيدة واحدة الا من كان يبطن النفاق ثم نشأ الخلاف فيما بينهم أولا في أمور اجتهادية وكان غرضهم منها إقامة مراسم الدين كاختلافهم في التخلف عن جيش أسامة وفى موته صلى الله تعالى عليه وسلم وفى موضع دفنه وفى الإمامة وفى ثبوت الإرث عنه صلى الله تعالى عليه وسلم في قتال مانعي الزكاة وفى خلافة على ومعاوية وكاختلافهم في بعض الأحكام الفرعية ثم يتدرج ويترقى إلى آخر أيام الصحابة رضي الله عنهم فظهر قوم خالفوا في القدر ولم يزل الخلاف يتشعب حتى تفرق أهل الاسلام إلى ثلاث وسبعين فرقا [فرقة] كما أشار إليه الرسول عليه الصلاة والسلام وكان من معجزاته ولكن كبار الفرق الاسلامية ثمانية وهم المعتزلة والشيعة والخوارج والمرجئة والنجارية والجبرية والمشبهة والناجية ويقال لهم أهل السنة والجماعة هذا ما ذكروه في كتب الفرق.
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»