كشف الظنون - حاجي خليفة - ج ١ - الصفحة ٢٤
ليعملوا به لو قام به واحد لسقط عن الباقين ويسمى فرض كفاية والعلوم التي هي فروض كفاية على المشهور كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمر الدنيا وقانون الشرع كفهم الكتاب والسنة وحفظهما من التحريفات ومعرفة الاعتقاد بإقامة البرهان عليه وإزالة الشبهة ومعرفة الآفات والفرائض والاحكام الفرعية وحفظ الأبدان والأخلاق والسياسة وكل ما يتوصل به إلى شئ من هذه كاللغة والتصريف والنحو والطب والمعاني والبيان وكالمنطق تسيير الكواكب ومعرفة الأنساب والحساب إلى غير ذلك من العلوم التي هي وسائل إلى هذه المقاصد وتفاوت درجاتها في التأكيد بحسب الحاجة إليها.
الباب الثاني في منشأ العلوم والكتب وفيه فصول أيضا الفضل الأول في سببها وفيه افهامات الافهام الأول: في أن العلم طبيعي للبشر وانه محتاج إليه. اعلم أن الانسان قد شاركه جميع الحيوان في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء وغير ذلك من اللوازم وانما يمتاز عنه بالفكر وادراك الكليات الذي يهتدى به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بابناء جنسه وقبول ما جاءت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن الله سبحانه وتعالى والعمل واتباع صلاح أخراه فهو مفكر في ذلك دائما لا يفتر عنه وعن هذا الفكر تنشأ العلوم والضائع ثم لأجله ولما جبل عليه الانسان بل الحيوان من تحصيل ما تستدعيه الطباع يكون الفكر راغبا وتحصيل ما ليس عنده من الادراكات فيرجع إلى ما استفاد عنه اما من الأفواه أو من الدوال عليه. فهذا ميل طبيعي من البشر إلى الاخذ والاستفادة فمنهم من ساعده فهمه ومنهم من لم يساعده مع ميله إليه واما عدم الميل فلامر عارضي كفساد المزاج وبعد المكان عن الاعتدال فلا اعتداد به.
الافهام الثاني: في أن العلم والكتابة من لوازم التمدن. واعلم أن نوع الانسان لما كان مدنيا بالطبع وكان محتاجا إلى اعلام ما في ضميره إلى غيره وفهم ما في ضمير الغير اقتضت الحكمة الإلهية احداث دوال يخف عليه ايرادها ولا يحتاج إلى غير الآلات الطبيعية فقاده الالهام الإلهي إلى استعمال الصوت وتقطيع النفس الضروري بالآلة الذائية إلى حروف يمتاز
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»