سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٢ - الصفحة ٤٥١
إليك حاجة تقضيها؟ قلت: نعم، ونعمى عين، قال: ينبغي أن تصير إلى نوح بن أبي شداد الصيرفي، وتأخذ منه ألف درهم، وتحمله إلي، ففعلت، فقال لي: خذه إليك، فاصرفه في ثمن المنزل. فقلت: قد قبلته منك وشكرته. وأقبلنا على الكتابة، وكنا في تصنيف " الجامع ".
فلما كان بعد ساعة، قلت: عرضت لي حاجة لا أجترئ رفعها إليك، فظن أني طمعت في الزيادة، فقال: لا تحتشمني، وأخبرني بما تحتاج، فإني أخاف أن أكون مأخوذا بسببك، قلت له: كيف؟ قال: لان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه. فذكر حديث سعد وعبد الرحمن. فقلت له: قد جعلتك في حل من جميع ما تقول، ووهبت لك المال الذي عرضته علي، عنيت المناصفة. وذلك أنه قال: لي جوار وامرأة، وأنت عزب، فالذي يجب علي أن أناصفك لنستوي في المال وغيره، وأربح عليك في ذلك، فقلت له: قد فعلت - رحمك الله - أكثر من ذلك إذ أنزلتني من نفسك ما لم تنزل أحدا، وحللت منك محل الولد، ثم حفظ علي حديثي الأول، وقال: ما حاجتك؟ قلت: تقضيها؟. قال: نعم، وأسر بذلك. قلت:
هذه الألف، تأمر بقبوله، واصرفه في بعض ما تحتاج إليه، فقبله، وذلك أنه ضمن لي قضاء حاجتي. ثم جلسنا بعد ذلك بيومين لتصنيف " الجامع "، وكتبنا منه ذلك اليوم شيئا كثيرا إلى الظهر، ثم صلينا الظهر، وأقبلنا على الكتابة من غير أن نكون أكلنا شيئا، فرآني لما كان قرب العصر شبه القلق المستوحش، فتوهم في ملالا. وإنما كان بي الحصر غير أني لم أكن أقدر على القيام، وكنت أتلوى اهتماما بالحصر. فدخل أبو عبد الله المنزل، وأخرج إلي كاغدة فيها ثلاث مئة درهم، وقال: أما إذ لم تقبل ثمن المنزل، فينبغي أن تصرف هذا في بعض حوائجك.
فجهدني، فلم أقبل. ثم كان بعد أيام، كتبنا إلى الظهر أيضا، فناولني
(٤٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 446 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 ... » »»