سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٢ - الصفحة ٤٤٦
الماء في أنهاره. فقال له: يا أبا عبد الله، كيف ترى؟ فقال: هذه الحياة الدنيا.
قال: وكان لأبي عبد الله غريم قطع عليه مالا كثيرا، فبلغه انه قدم آمل، ونحن عنده بفربر، فقلنا له: ينبغي أن تعبر وتأخذه بمالك. فقال:
ليس لنا أن نروعه. ثم بلغ غريمه مكانه بفربر، فخرج إلى خوارزم، فقلنا: ينبغي أن تقول لأبي سلمة الكشاني عامل آمل ليكتب إلى خوارزم في أخذه، واستخراج حقك منه، فقال: إن أخذت منهم كتابا طمعوا مني في كتاب، ولست أبيع ديني بدنياي. فجهدنا، فلم يأخذ حتى كلمنا السلطان عن غير أمره. فكتب إلى والي خوارزم. فلما أبلغ أبا عبد الله ذلك، وجد وجدا شديدا. وقال: لا تكونوا أشفق علي من نفسي. وكتب كتابا، وأردف تلك الكتب بكتب، وكتب إلى بعض أصحابه بخوارزم أن لا يتعرض لغريمه الا بخير. فرجع غريمه إلى آمل، وقصد إلى ناحية مرو. فاجتمع التجار، وأخبر السلطان بأن أبا عبد الله خرج في طلب غريم له. فأراد السلطان التشديد على غريمه، وكره ذلك أبو عبد الله، وصالح غريمه على أن يعطيه كل سنة عشرة دراهم شيئا يسيرا. وكان المال خمسة وعشرين ألفا. ولم يصل من ذلك المال إلى درهم، ولا إلى أكثر منه (1).
قال: وسمعت أبا عبد الله، يقول: ما توليت شراء شئ ولا بيعه قط. فقلت له: كيف، وقد أحل الله البيع؟ قال: لما فيه من الزيادة والنقصان والتخليط، فخشيت إن توليت أن أستوي بغيري. قلت فمن كان يتولى أمرك في أسفارك ومبايعتك؟ قال: كنت أكفى ذلك (2).

(1) الخبر بطوله في " طبقات السبكي " 2 / 227. وهو في " مقدمة الفتح ": 480.
(2) " تاريخ بغداد " 2 / 11 بلفظ مختلف، و " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 68 / 1، و " طبقات السبكي " 2 / 227.
(٤٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 ... » »»