سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٢ - الصفحة ٤٥٠
قال: وكنا بفربر، وكان أبو عبد الله يبني رباطا مما يلي بخارى، فاجتمع بشر كثير يعينونه على ذلك، وكان ينقل اللبن، فكنت أقول له: إنك تكفى يا أبا عبد الله، فيقول: هذا الذي ينفعنا. ثم أخذ ينقل الزنبرات (1) معه، وكان ذبح لهم بقرة، فلما أدركت القدور، دعا الناس إلى الطعام، وكان بها مئة نفس أو أكثر، ولم يكن علم أنه يجتمع ما اجتمع، وكنا أخرجنا معه من فربر خبزا بثلاثة دراهم أو أقل، فألقينا بين أيديهم، فأكل جميع من حضر، وفضلت أرغفة صالحة. وكان الخبز إذ ذاك خمسة أمناء (2) بدرهم (3).
قال: وكان أبو عبد الله ربما يأتي عليه النهار، فلا يأكل فيه رقاقة، إنما كان يأكل أحيانا لوزتين أو ثلاثا. وكان يجتنب توابل القدور مثل الحمص وغيره، فقال لي يوما شبه المتفرج بصاحبه: يا أبا جعفر، نحتاج في السنة إلى شئ كثير، قلت له: قدر كم؟ قال: أحتاج في السنة إلى أربعة آلاف درهم، أو خمسة آلاف درهم. قال: وكان يتصدق بالكثير، يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث، فيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين، وأقل وأكثر، من غير أن يشعر بذلك أحد. وكان لا يفارقه كيسه.
ورأيته ناول رجلا مرارا صرة فيها ثلاث مئة درهم، - وذلك أن الرجل أخبرني بعدد ما كان فيها من بعد - فأراد أن يدعو، فقال له أبو عبد الله: ارفق، واشتغل بحديث آخر كيلا بعلم بذلك أحد.
قال: وكنت اشتريت منزلا بتسع مئة وعشرين درهما، فقال: لي

(1) جمع زنبر، وهو الزنبيل. فارسية معربة.
(2) في " مقدمة الفتح ": أمنان، بالنون. وكلاهما جمع (من)، وهو وزن أو مكيال يسع مئتي وسبعة وخمسين درهما.
(3) " مقدمة الفتح ": 481.
(٤٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 445 446 447 448 449 450 451 452 453 454 455 ... » »»