سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٨ - الصفحة ٢٦٨
ملاها زئبقا، فكان النور ينعكس منه إلى المجلس، فدخل عليه قاضيه، منذر بن سعيد البلوطي (1)، فوقف وقرأ: (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة.) الآيتين:
[الزخرف: 33، 34]. فقال: وعظت أبا الحكم، ثم قام عن المجلس، وأمر بنزع الذهب والجواهر.
وقال عبد الواحد المراكشي في " تاريخه ": اتسعت مملكة الناصر، وحكم على أقطار الأندلس، وملك طنجة وسبتة، وغيرهما من بلاد العدوة، وكانت أيامه كلها حروبا. وعاش المسلمون في آثاره الحميدة آمنين برهة.
ويقال: إن بناء الزهراء أكمل في اثنتي عشرة سنة، بألف بناء في اليوم، مع البناء اثنا عشر فاعلا.
حكى أبو الحسن الصفار: أن يوسف بن تاشفين ملك المغرب لما دخل الزهراء، وقد خربت بالنيران والهدم، من تسعين سنة قبل دخوله إليها، وقد نقل أكثر ما فيها إلى قرطبة وإشبيلية، ونظر آثارا تشهد على محاسنها، فقال: الذي بنى هذه كان سفيها، فقال له أبو مروان بن سراج:
كيف يكون سفيها وإحدى كرائمه أخرجت مالا في فداء أسارى في أيامه، فلم يوجد ببلاد الأندلس أسير يفدى.

هو المنذر بن سعيد البلوطي، قاضي الجماعة بقرطبة، كان عالما فقيها، وأديبا بليغا، وخطيبا مصقعا، متكلما بالحق، متبينا بالصدق، له كتب مؤلفة في السنة والقرآن والورع والرد على أهل الأهواء والبدع، وله اليوم المشهور الذي ملا فيه الاسماع، وبهر القلوب بخطبته البليغة التي ارتجلها بين يدي الناصر في ذلك الجمع الحاشد المهيب، الذي أعده لاستقبال رسول ملك الروم، فأعجب به الناصر أيما إعجاب، فقال لابنه: والله لقد أحسن ما شاء، ولئن أخرني الله بعد لأرفعن من ذكره، فضع يدك عليه، واستخلصه، وذكرني بشأنه، فما للصنيعة مذهب عنه، ثم ولاه الصلاة والخطابة في المسجد الجامع بالزهراء، " نفح الطيب " 1 / 366.
374.
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»