سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢ - الصفحة ١٥٦
فقالت: تعس مسطح! فقلت لها: بئس ما قلت! أتسبين رجلا شهد بدرا؟
قالت: أي هنتاه (1)، أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وما ذاك؟ فأخبرتني الخبر، فازددت مرضا على مرضي.
فلما رجعت إلى بيتي، ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم [فسلم] ثم قال: كيف تيكم؟ فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ وأنا [حينئذ] أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما. فأذن لي. فجئت أبوي، فقلت: يا أمتاه، ما يتحدث الناس؟
قالت: يا بنية! هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن عليها. فقلت: سبحان الله! وقد تحدث الناس بهذا؟!
فبكيت الليلة حتى لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، حين استلبث الوحي، يستأمرهما في فراق أهله. فأما أسامة، فأشار على رسول الله بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود، فقال: يا رسول الله هلك، ولا نعلم إلا خيرا. وأما علي فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، واسأل الجارية، تصدقك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، (2) فقال: أي بريرة، هل رأيت من شئ يريبك؟ قالت: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرا أغمصه (3) عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فيأتي الداجن، فيأكله.

(١) قال ابن الأثير: أي: يا هذه، وتفتح النون وتسكن، وتضم الهاء الآخرة وتسكن، قال جوهري: هذه اللفظة تختص بالنداء وقيل: معنى يا هنتاه: أي: يا بلهاء، كأنها نسبت إلى قلة معرفة بمكايد الناس وشرورهم.
(٢) كون الجارية بريرة هنا، وهم من بعض الرواة نبه عليه ابن القيم، في " زاد المعاد " ٣ / ٢٦٨ ؟؟ مؤسسة الرسالة بتحقيقنا، واخذه عنه الزركشي في " الإجابة " ص 48.
(3) أي: عيبه.
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»