سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢ - الصفحة ١٥٩
حتى نزل عليه الوحي; فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شات، من ثقل القول الذي ينزل عليه. فلما سري عنه (1) وهو يضحك، كان أول كلمة تكلم بها: " يا عائشة، أما والله (2) لقد براك الله " فقالت أمي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله. وأنزل الله تعالى: * (إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم) * [النور: 11] العشر الآيات كلها.
فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة.
فأنزلت: * (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم) * [النور: 22]. قال: بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي.
فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا.
قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري. فقالت:
أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرا، وهي التي كانت تساميني (3) من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها (4)، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك (5).

(1) في رواية البخاري: فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سري عنه وهو يضحك.
(2) في البخاري ومسلم والمسند: أما الله عز وجل، فقد برأك.
(3) تساميني: تعاليني، من السمو وهو العلو والارتفاع، أي: تطلب من العلو والرفعة والحظوة عند النبي صلى الله عليه وسلم ما أطلب.
(4) أي: تجادل لها وتتعصب، وتحكي ما قال أهل الإفك لتنخفض منزلة عائشة، وتعلو مرتبة أختها زينب.
(5) أخرجه بطوله البخاري 5 / 198، 201 في الشهادات: باب تعديل النساء بعضهن بعضا، و 7 / 333، 335 في المغازي: باب حديث الإفك، و 8 / 343، 367 في تفسير سورة النور: باب * (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات) * وقد توسع الحافظ في شرحه هنا، وأخرجه أحمد 6 / 194، 196، ومسلم (2770) في التوبة: باب حديث الإفك، والترمذي (3179) و عبد الرزاق في " المصنف " (9748)، وانظر السيرة لابن هشام 2 / 297، 307، البداية لابن كثير 3 / 160، 164، وتفسيره 3 / 268، 272.
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»