سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢ - الصفحة ١٥٤
معه. فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت معه بعدما نزل الحجاب، وأنا أجمل في هودج (1) وأنزل فيه، فسرنا، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك، وقفل ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل. فقمت حينئذ (2)، فمشيت حتى جاوزت الجيش. فلما قضيت حاجتي، أقبلت إلى رحلي، فإذا عقد لي من جزع ظفار (3) قد انقطع، فالتمسته، وحبسني التماسه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي (4)، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم (5)، إنما يأكلن العلقة (6) من الطعام. فلم يستنكروا خفة المحمل حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فأممت (7) منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي. فبينا أنا جالسة غلبتني عيني، فنمت.
وكان صفوان بن المعطل السلمي، ثم الذكواني، من وراء الجيش، فأدلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين

(1) في البخاري ومسلم والمسند " هودجي ".
(2) في البخاري ومسلم والمسند " حين أذنوا بالرحيل ".
(3) الجزع: خرز يماني، وظفار: قرية باليمن.
(4) هي رواية معمر، وحكى النووي عن أكثر نسخ صحيح مسلم: يرحلون لي، قال: وهو أجود، وقال غيره: بالباء أجود، لان المراد: وضعها وهي في الهودج، فشبهت الهودج الذي فيه بالرحل الذي يوضع على البعير.
(5) جملة " خفافا لم يثقلهن اللحم " سقطت من مطبوعة دمشق.
(6) العلقة بضم العين: كل ما يتبلغ به من العيش، وهي من الطعام اليسير منه.
(7) أممت: قصدت، وقد تحرفت في مطبوعة دمشق إلى " فأقمت ".
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»