سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢ - الصفحة ١٥٨
جلس، ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، ولقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شئ. قالت: فتشهد، ثم قال: " أما بعد، يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة، فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب، تاب الله عليه ". فلما قضى مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت (1) وأنا يومئذ حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن: إني والله لقد علمت، لقد سمعتم (2) هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني بريئة، لتصدقني. والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي يوسف: * (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) * [يوسف: 18]. ثم تحولت، فاضطجعت على فراشي، وأنا أعلم أني بريئة، وأن الله تعالى يبرئني (3) ببراءتي; ولكن والله ما ظننت أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني كان في نفسي أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها. قالت: فوالله ما قام (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا خرج أحد من أهل البيت،

(1) من قوله: لأمي... إلى هنا سقط من المطبوع.
(2) كذا الأصل، وهي رواية البخاري، وفي مطبوعة دمشق: " أنكم سمعتم " وهي رواية مسلم وأحمد.
(3) في البخاري ومسلم وأحمد: " مبرئي ".
(4) في البخاري ومسلم وأحمد " ما رام " أي: فارق، من الريم، وليس من الروم بمعنى الطلب.
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»