أخبرنا البرقاني، أخبرنا محمد بن العباس، حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي، حدثنا أبو حفص عمر بن ياسر العطار عن بشر بن الحارث قال: كان أبو جعفر الرازي صديقا لسفيان الثوري، وكان له معه بضاعة، وكان يكثر الحج، فكان إذا قدم الكوفة تلقاه سفيان إلى القنطرة، وإذا خرج إلى مكة شيعه إلى النجف، فقدم سنة من السنين مدينة السلام فاجتمع إليه الأضراء، فقالوا: يا أبا جعفر تكلم لنا أمير المؤمنين فإنه قد ولى علينا رجلا يقتطع أرزاقنا، ويسئ فيما بيننا وبينه فلم يجبهم إلى شئ، فبلغ ذلك سفيان فتلقاه أسفل القنطرة، وشيعه حتى جاوز النجف، وزاده في البر، فلما كان في العام المقبل قدم أبو جعفر وهو يريد الحج، فاجتمع إليه الأضراء فكلموه بما كلموه به في العام الماضي، فرق لهم، فأتى باب الذهب فقال للحاجب:
استأذن لي على أمير المؤمنين وأخبره أن بالباب أبا جعفر الرازي، فأسرع الرسول أن أدخل، فدخل على المنصور فأكرمه بغاية الكرامة وجعل يسأله عن أحواله، وسأله هل له حاجة؟ فقال: نعم! فقص عليه قصة الأضراء فقال: يعزل عنهم كاتبهم ويولى عليهم من أحبوا، ونأمر لأبي جعفر بعشرة آلاف لسؤاله إيانا هذه الحاجة، فلما صارت الدراهم بيده أسقط في يديه، وعلم أنه قد أخطأ، فجلس بسور القصر ثم دعا بخرق فجعلها صررا، ففرقها على قوم، وقام فنفض ثوبه وليس معه منها شئ. فبلغ ذلك سفيان الثوري، فلما دخل أبو جعفر الرازي الكوفة توارى سفيان، فطلبه فلم يقدر عليه، وسأل عنه فلم يدل عليه، فامتعض له بعض اخوان سفيان، فقال: ألك إليه حاجة؟ فقال: نعم! فقال اكتب كتابا وادفعه إلي أوصله لك إليه، فكتب كتابا ودفعه إليه، قال فصرت بالكتاب إلى سفيان، فإذا أنا به في غرفة وإذا هو مستلق على قفاه، قد وضع رجله على الأخرى مستقبل القبلة، فسلمت عليه وأظهرت الكتاب، فقال لي: مه؟ فقلت: كتاب أبي جعفر الرازي. فقال أقرأه، فقرأته فقال لي اكتب جوابه في ظهره، فكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم، قلت له ماذا أكتب؟ قال اكتب: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود) [الآية] الآية، أردد إلينا بضاعتنا لا حاجة لنا في أرباحها، قال: فأتيته بالكتاب، والناس إذ ذاك متوافرون بالكوفة، فنظروا في الكتاب وأجمع رأيهم على أنهم يوجهون بالكتابين إلى ابن أبي ليلى، ولا يعلمونه ممن الكتاب، ولا من صاحب الجواب، ليعرفوا ما عنده من الرأي. فوجهوا بالكتابين فنظر فيهما فقال: اما الأول فكتاب رجل مداهن، وأما الجواب فكتاب رجل يريد الله بفعله.