الهاشمي، حدثنا محمد بن عبيد الله الكاتب قال: كنت يوما عند محمد بن يزيد المبرد فأنشدني هذين البيتين:
جسمي معي غير أن الروح عندكم * فالجسم في غربة والروح في وطن فليعجب الناس مني أن لي بدنا * لا روح فيه ولي روح بلا بدن ثم قال: ما أظن قالت الشعراء أحسن من هذا! فقلت: ولا قول الآخر؟ قال:
هيه، قلت الذي يقول:
فارقتكم ومكثت بعدكم * ما هكذا كان الذي يجب فالآن ألقى الناس معتذرا * من أن أعيش وأنتم غيب قال: ولا هذا. قلت ولا قول خالد الكاتب:
روحان لي روح تضمنها * جسدي وأخرى حازها بلد وأظن غائبتي كشاهدتي * بمكانها تجد الذي أجد قال: ولا هذا. قلت: أنت إذا هويت الشيء ملت إليه ولم تعدل إلى غيره قال: لا ولكنه الحق. فأتيت ثعلبا فأخبرته فقال ثعلب: ألا أنشدته:
غابوا فصار الجسم من بعدهم * ما تنظر العين له فيا بأي وجه أتلقاهم * إذا رأوني بعدهم حيا؟
يا خجلتي منه ومن قوله * ما ضرك الفقد لنا شيا قال: فأتيت إبراهيم بن إسحاق الحربي فأخبرته، فقال: ألا أنشدته:
يا حيائي ممن أحب إذا ما * قال بعد الفراق أني حييت؟
لو صدقت الهوى حبيبا على الصحة * لما نأى لكنت تموت قال: فرجعت إلى المبرد. فقال: أستغفر الله إلا هذين البيتين - يعني بيتي إبراهيم -.
أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز - بهمذان - حدثنا محبوب ابن محمد البرديجي قاضي سراوان قال: أنشدنا أبو سعيد الحسن بن زكريا العدوي - ببغداد - قال: أنشدني إبراهيم الحربي:
أنكرت ذلي فأي شيء * أحسن من ذلة المحب؟
أليس شوقي وفيض دمعي * وضعف جسمي شهود حبي؟