عليه فما يظن إلا أنه ثوب أو خرقة، وإن الوحش لترعى حوله فما تنفر منه لما قد أنست به، وإن عسكر الصعاليك ليجيئون يريدون الغارة أو قتال قوم فإذا رأوا شخصه طاروا في الدنيا فذهبوا. قال أبو محمد (هو الفضل بن شاذان): فظننت أن هذا رجل كان في الزمان الأول، فبينما أنا بعد ذلك بيسير قاعد في قطيعة الربيع مع أبي رحمه الله، إذ جاء شيخ حلو الوجه حسن الشمائل عليه قميص نرسي ورداء نرسي وفي رجله نعل مخضر فسلم على أبي، فقام إليه أبي فرحب به وبجله، فلما أن مضى يريد ابن أبي عمير قلت: من هذا الشيخ؟ فقال: هذا الحسن ابن علي بن فضال، قلت: هذا ذاك العابد الفاضل؟ قال: هو ذاك، قلت: ليس هو ذلك، ذاك بالجبل، قال: هو ذاك كان يكون بالجبل، قال: ما أغفل (أقل) عقلك من غلام، فأخبرته بما سمعت من القوم فيه، قال: هو ذلك. فكان بعد ذلك يختلف إلى أبي ثم خرجت إليه بعد إلى الكوفة فسمعت منه كتاب ابن بكير وغيره من الأحاديث، وكان يحمل كتابه ويجئ إلى الحجرة فيقرأه علي، فلما حج ختن طاهر بن الحسين وعظمه الناس لقدره وماله ومكانه من السلطان، وقد كان وصف له فلم يصر إليه الحسن، فأرسل إليه: أحب أن تصير إلي فإنه لا يمكنني المصير إليك فأبى، وكلمه أصحابنا في ذلك، فقال: مالي ولطاهر لا أقربهم ليس بيني وبينهم عمل، فعلمت بعد هذا أن مجيئه إلي كان لدينه، وكان مصلاه بالكوفة في الجامع عند الأسطوانة التي يقال لها السابعة ويقال لها أسطوانة إبراهيم عليه السلام، وكان يجتمع هو وأبو محمد الحجال وعلي بن أسباط، وكان الحجال يدعي الكلام فكان من أجدل الناس، فكان ابن فضال يغري بيني وبينه في الكلام في المعرفة وكان يحبني حبا شديدا. وكان الحسن عمره كله فطحيا مشهورا بذلك حتى حضره الموت فمات وقد قال بالحق - رضي الله عنه -. أخبرنا محمد بن محمد، قال: حدثنا أبو الحسن بن داود، قال: حدثنا أبي عن محمد بن جعفر المؤدب، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن علي بن الريان، قال: كنا في جنازة
(٤٩)