أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠٥
وهذه الآية في نسخها وإحكامها ليست إلا كقوله تعالى: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال).
ثم لمزيد عنايته عز وعلا بنبيه ألفته إلى ما يوجب له مزيد الطمأنينة بفوز الأنبياء وخزي الشيطان فقال (والله عليم حكيم) وسع كل شئ علما وحكمة يعلم اخلاص الرسل والأنبياء في أمانيهم فيمدهم بروح القدس من عنده ويبوئهم مبوأ صدق من كرامته ويعلم عداوة الشيطان لله ولرسوله ولعباده بما يلقيه من التشويه في أماني الرسل والأنبياء فيخزيه بخبث سريرته ولؤم علانيته على ما تقتضيه الحكمة من كرامة من يستحق الكرامة وخزي من يستحق الخزي فان الحكمة وضع الأمور مواضعها.
وشاءت حكمته تعالى ان يميز الخبيث من الطيب من عباده فابتلاهم بالغرور الرجيم يلقى التشويه في أماني الرسل والأنبياء (ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة) اي اختبارا وتمحيصا (الذين في قلوبهم مرض) من النفاق (والقاسية قلوبهم) لا تلين لذكر الله وما نزل من الحق إذ ران عليها ما سول الشيطان لهم من الكفر فحجبها عن نور الايمان والهدى (وان الظالمين) من المنافقين والكفار (لفي شقاق بعيد) أي في عداوة لله ولرسوله لا أجل لها قد أعمت عن الحق أبصارهم وأصمت أسماعهم ورانت على قلوبهم، ونعقوا بسببها مع كل ناعق من الشيطان (وليعلم الذين أوتوا العلم) بوحدانية الله وحكمته وبعثة الرسل والأنبياء (انه الحق من ربك ليؤمنوا به) غير آبهين بالشيطان ولا بشئ من تهويله وتضليله.
وبالجملة: فان الله سبحانه شاءت حكمته ان يميز الخبيث من الطيب فامتحن الناس بما قلناه فازداد الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم مرضا وقسوة وازداد المؤمنين ايمانا ويقينا، فقوله عز وجل: ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة إلى أن قال: وليعلم الذين أوتوا العلم، جاري مجرى قوله تعالى: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»