الحجة فجحدوها وتمادوا بالكفر عنادا لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله فأمره بالاعراض عنهم، ولمزيد عنايته في تهذيبه وتفضيله على البشر حذره بما طبع البشر عليه من التأثر القلبي، والتزفر النفسي عند هجوم الجاهلين بسفههم وبذاتهم، وسمي ذلك التأثر الطبيعي نزغا من الشيطان على سبيل التجوز تنزيها لنبيه عنه، وتنفيرا له منه إذ كان صلى الله عليه وآله لا ينفر من شئ نفوره من الشيطان، ومما يشبه عمله فقال عز من قائل: (واما ينزغنك من الشيطان نزغ) يوهن صبرك عن احتمال سفه الجاهلين ويدعوك إلى إظهار الغضب منهم (فاستعذ بالله).
فأين هذا المعنى عما جاء في حديث أبي هريرة من شد الشيطان على رسول الله صلى الله عليه وآله ليقطع عليه صلاته؟ الامر الذي لا يجوز بحكم العقل والنقل.
(فان قلت): ما تقول في الآية 52 من سورة الحج (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى القي الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الظالمين لفي شقاق بعيد، وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك) الآية.
(قلنا): ان من المعلوم بحكم الضرورة من دين الاسلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسائر الرسل والأنبياء عليهم السلام لا يجوز عليهم أن يتمنوا مالا يرضى الله به وحاشاهم ان يتمنوا من الأمور كلها إلا ما كان لله فيه رضا ولعباده صلاح.
وقد كان صلى الله عليه وآله يتمنى لأهل الأرض كافة ولكل واحد منهم أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ولا سيما الأقرب إليه منهم فالأقرب والشيطان كان يلقى في هذه الأمنية (1) بغروره وحيله ما يشوهها في نظر من كان كأبي لهب وأبي جهل ممن استحوذ عليهم بفتنته فصدهم عما تمناه الرسول لهم من خير الدنيا والآخرة حتى أغراهم بقتاله واستئصاله.