أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠١
الحكيم الا ائتمر به، وما ن زجر في القرآن العظيم الا انزجر به، وما من حكمة الا اخذ بها، كان القرآن نصب عينيه، يقتفي أثره، ويتبع سوره، وهذه الآية مما جاء في سياق آدابه وأخلاقه، فانظر إلى ما قبلها من الآيات البينات تجد الحكمة، وفصل الخطاب، فان ما قبلها بلا فصل (ادفع بالتي هي أحسن فذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم).
هذه هي الغاية في الأخلاق طبع الله عليها عبده، وخاتم رسله، فكان صلى الله عليه وآله يمثلها في هديه منذ قال في مبدأ أمره (ودم جبهته يسيل على وجهه ولحيته) اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون إلى أن نادى مناديه يوم الفتح وكان في منتهى عمره من خل دار أبي سفيان فهو آمن.
أرهف الله عزائمه، وشحذ هممه للاخذ بهذه التعاليم وحمله على هذه الأخلاق بكل أسلوب يأخذ إليها بالأعناق، ألا تراه جل وعلا كيف لم يكتف ببعثه عليها حتى شوقه إليها، وبلغ الغاية في تحظيضه عليها، فقال وهو أصدق القائلين: (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) ثم لم يقف على هذا الحد في ارهاف عزيمته حتى حذره مما طبع البشر عليه من فورة تكون في النفس، ونزغة - أي نخسة - تكون في القلب عند هجوم الأذى، اممض من العدو الملح، وسمي تلك النخسة البشرية نزغا من الشيطان على سبيل المجاز تنفيرا منها وتنزيها عنها فقال (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) أي وإما ينخسنك من الغضب الذي طبع عليه البشر نخس يشبه نزغ الشيطان في تضييق الصدر وتوهين عرى الصبر (فاستعذ بالله) ونظير هذه الآية قوله عز من قائل - في سورة الأعراف - (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين * واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله أنه سميع عليم) فان الله عز وجل أراد صيانة حبيبه عن مقابلة الجاهلين الذين قامت عليهم
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»