أمنيتك من التشويه بالتمويه على كثير من الناس فصدهم عنها بغروره وفتنته فان الرسل والأنبياء كانوا بأجمعهم يتمنون لأهل الأرض عامة أن يكونوا على هدى من ربهم، وكانوا بأسرهم يتمنون لمن آمنوا بهم أن يخلصوا لله اخلاصا حقيقيا لا تشوبه شائبة، وكانت قصارى أمانيهم أن تتفق أممهم على هديهم فلا يختلف في ذلك منهم اثنان، لكن الشيطان كان يلقى في هذه الأماني الشريفة من وسوسته ما يخدعهم عنها فلم تتحقق أمانيهم إلا قليلا حتى افترقت أمة موسى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت أمة عيسى اثنين وسبعين فرقة، وهكذا أمم الأنبياء كافة لم تتحقق فيهم أماني رسلهم بسبب ما يلقيه الشيطان فيها من التشويه بالتمويه، فلا يكبرن عليك (يا محمد) ما منيت به في أمانيك المقدسة حيث لم تتحقق في كثير من الأوقات بسبب ما يلقيه الشيطان فيها من التشويه الموجب لصرف كثير من الناس عنها ولك أسوة حسنة في هذا بجميع من كان قبلك من الرسل والأنبياء فإنك وإياهم في هذا الامر شرع سواء، سنة من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا.
وحيث كان صلى الله عليه وآله مشفقا من أباطيل الشيطان أن تظهر على الحق أمنه عز وجل من هذه الناحية إذ قال: (فينسخ الله) أي فيزيل الله (ما يلقي الشيطان) في أمانيك وأماني الرسل والأنبياء من تشويهها بتمويهه الذي لا يثبت أمام الحق الساطع والبرهان القاطع ابدا ثم بشره بظهور الحق الذي جاء به عن ربه. وجاءت به الرسل والأنبياء من قبله وبقائه محكما فقال وقوله الحق ووعده الصدق (ثم يحكم الله آياته) أي يتقنها كما قال في مقام آخر (ويحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون).
وأولوا الألباب يعلمون ان ليس المراد من النسخ والاحكام هنا معناها المصطلح عليه في عرف المفسرين، وإنما المراد من النسخ والاحكام في هذه الآية معناها اللغوي، فالنسخ بمعنى الإزالة والاحكام بمعنى الاتقان