اما الأولى: فهي احكامه الاستقلالية التي تقع في طريق استنباط الأحكام الشرعية ; فيكون دليلا عقليا وامارة منجزة أو معذرة، ولذا قيل إن الدليل العقلي حكم عقلي يتوصل بصحيح النظر فيه إلى حكم شرعي والمراد بصحيح النظر جعله كبرى في قياس الانتاج كما تقدم، وذلك كحكمه بحجية الظن الانسدادي والظن الاستصحابي بناء على حجيتهما وحكمه بالملازمة بين وجوب شئ ووجوب مقدمته وبالملازمة بين وجوب شئ وحرمة ضده وبالملازمة بين حسن شئ أو قبحه ووجوبه أو حرمته شرعا بناء على حكمه بالملازمة في هذه الموارد وغيرها من احكامه.
فتقول حرمة العصير مما تعلق بها الظن الانسدادي أو الاستصحابي وهو دليل مثبت للتكليف منجز له فالحرمة ثابتة منجزة; وتقول الوضوء مقدمة للصلاة وكل مقدمة الواجب واجبة فالوضوء واجب، وتقول الصلاة المزاحمة لإزالة النجاسة عن المسجد ضد للواجب وكل ضد الواجب حرام فتلك الصلاة محرمة; وتقول رد الوديعة مما حكم العقل بحسنه وكلما حكم العقل بحسنه حكم الشرع بوجوبه فارد واجب شرعا وهكذا.
واما الثانية: فهي احكامه الاستقلالية التي تعد احكاما ظاهرية وأصولا عملية يرجع إليها عند فقد الامارات العقلية والقواعد النقلية، وذلك كحكمه بقبح العقاب على الحكم بلا ورود البيان عليه، وحكمه بتخيير المكلف عند دوران الامر بين المحذورين; ولزوم الاحتياط عليه في موارد العلم الاجمالي ونحوها.
تنبيهان:
الأول: تنقسم مدركات العقل واحكامه إلى أقسام كثيرة تختلف لديه بالوضوح والخفاء.
فمنها: المشهورات وهي التي توافقت عليها آراء العقلاء لوجود مصالح فيها وانحفاظ نظام المجتمع وبقاء النوع بها كحسن العدل وقبح الظلم.
ومنها: الأوليات ككون الكل أعظم من الجزء والضدين لا يجتمعان.