للمعارضة مع العلم الحاصل من الدليل النقلي (ومن ذلك) ترى الشيخ قدس سره يستوحش من هذه المقالة غايته وينادي بأنه ليت شعري مع حصول العلم من دليل العقل، كيف يعقل حصول العلم بخلافه من غيره وبالعكس، حتى يقع بينهما المعارضة وينتهى الامر إلى ترجيح النقلي عليه، وانه في فرض حصول العلم كيف يعقل الردع عنه (واما) ما وقع منه قدس سره من جعل مقالة الأخباريين من أمثلة العلم المأخوذ في الموضوع فإنما هو لمحض التمثيل على ما يقتضيه مذاق الأخباريين من عدم العبرة بالعلم الحاصل من غير الكتاب والسنة لا انه لأجل تصحيح كلامهم والا لم يكن مجال للانكار عليهم و الاستيحاش من مقالتهم كما هو ظاهر وقد يوجه) كلامهم بوجه آخر و تقريبه ان قصد التقرب في الأحكام الشرعية لما كان منوطا بالجزم بالامر الشرعي الباعث على الاتيان كان للشارع تقييد القربة المعتبرة في المأمور به بالقرب الناشئ عن خصوص الجزم الناشئ من الأدلة السمعية لا مطلقا فحينئذ تصح مقالة الاخباري من عدم العبرة بالقطع الناشئ من المقدمات العقلية، مؤيدا بما ورد من النصوص بعدم الثواب على الأعمال التي لم تكن بدلالة ولى الله الظاهرة في كون عدم المثوبة من جهة الاخلال بقصد القربة (أقول) ولا يخفى ان هذا التوجيه وإن كان وجيها في نفسه ولا يرد عليه إشكال امتناع ردع الشارع عن العمل على وفق القطع الناشئ عن غير الأدلة السمعية لخروجه في الحقيقة عن مفروض البحث الذي هو القطع الطريقي (ولكن) يرد عليه مضافا إلى اختصاصه بالتكاليف العبادية و عدم جريانه في كلية التكاليف، انه لا دليل على التقييد المزبور في العبادات لو لم نقل بظهور أدلة اعتبار، قصد القربة في كفاية مطلق القرب الناشئ ولو من الجزم الناشئ من الطرق العقلية، واما التأييد المزبور فقد عرفت ان هذا النصوص، بين ما يكون في مقام اعتبار شرطية الولاية في أصل صحة الأعمال، وبين ما يكون في مقام النهي عن الخوض في الأقيسة والاستحسانات العقلية الظنية كما عليه العامة (وحينئذ) فأحسن التوجيهات لمقالتهم هو ما ذكرناه أولا من تعليقية حكم العقل في وجوب اتباع القطع على عدم ردع الشارع عن خلافه كما ربما يؤيده كلام المحدث البحراني قدس سره في ترجيح النقل عن العقل عند تعارض القطعين وتأييد أحدهما بالنقلي فتأمل.
(٤٥)