فيها بعد ذلك الافتاء. ومقصودنا أن الأصولي - بما هو أصولي - لا يهمه البحث عن حدوث هذه الحالات لغير المجتهد لعدم ارتباطها بفنه وأما ما استشكل به صاحب الكفاية (ره) على تثليث الأقسام بأنه لا وجه لتخصيص متعلق القطع بالحكم الواقعي، لعدم اختصاص أحكامه بذلك، بل لا فرق في ترتب أحكامه بين أن يكون متعلقا بالحكم الواقعي أو الظاهري، فلا يبقى مجال لتثليث الأقسام، بل ينبغي أن يقال أنه إذا التفت إلى حكم شرعي إما أن يقطع به، فهو، وإلا فلا بد من انتهائه إلى ما استقل به العقل من اتباع الظن على تقدير و الرجوع إلى الأصول العقلية على تقدير آخر.
وأنت خبير بأن الأصولي لا يهمه إلا تحصيل القطع - بأي سبب كان - بذلك الحكم الظاهري حتى يجعله كبرى في قياس الاستنباط ولا شأن له بعد حصول القطع بالحكم الظاهري.
وبعبارة أخرى القطع بالحكم الظاهري لا يحصل إلا بعد الاجتهاد و الاستنباط الفعلي، والأصولي يبحث ويتكلم عما به يجتهد ويقع كبرى في قياس الاستنتاج، فلا شغل له بالقطع بالحكم الظاهري فإنه يهم الفقيه لا الأصولي، فلا بد من التثليث في الأقسام، حتى يرى الأصولي - بعد البحث والتنقيح - أن أي ظن معتبر ويقع كبرى في قياس الاستنباط، وأي ظن لا يقع، أو أن كل ظن حجة أو ليس شي منه بحجة، وأن الشارع - في مورد الشك - هل جعل وظيفة عملية للمجتهد الشاك ليستنتج منه الحكم الشرعي الظاهري أم لا؟ وعلى تقدير الجعل ما هي وكم هي. نعم القطع بالحكم الشرعي الذي هو إحدى هذه الحالات الثلاث خارج أيضا عن البحث الأصولي، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ومما ذكرنا ظهر الجواب عن إشكاله الثاني أيضا، وهو أنه لو سلمنا صحة تثليث الأقسام، فينبغي أن يقال إما أن يقطع أو لا، وعلى الثاني