بعد الالتفات إلى نهي المولى وثبوته عنده بمثبت وجداني أو تعبدي من استحقاقه للعقاب عند الارتكاب فينزجر ولا يرتكب (فلا بد) و أن يكون الارتكاب له ممكنا عادة ومقدورا له بحسب العادة حتى يوجب النهي زجره وإلا كان النهي بلا فائدة ولا ثمرة له، فيكون لغوا ومثل هذا النهي يكون بنظر العقلا مستهجنا لا ينبغي أن يصدر من الحكيم.
(لا يقال) أنه لا شك في وجود النواهي المتعلقة بأشياء يكون النفس منزجرا عن ارتكابها مثل نكاح الأمهات أو كشف العورة لذوي المروات وأمثال ذلك مما تشمئز النفوس الكاملة عنها وتأبى عن ارتكابها ولو لم يكن نهي عن قبل المولى، والنفوس مختلفة جدا بالنسبة إلى ارتكاب المحرمات، فبعض المحرمات مما تشمئز نفوس أغلب الناس عن ارتكابها بل جميعهم كأكل بعض الخبائث وبعض منها تشمئز نفوس بعض منهم دون بعض (فيجب) أن لا يتوجه إلى هؤلاء أمثال هذه النواهي مع أنها متوجهة إليهم قطعا.
(لأنا نقول) فرق بين أن يكون الشئ غير مقدور عادة ولا يمكن ارتكابها إلا بالمقدمات البعيدة الخارجة عن العرف والعادة وتحمل المشاق الكثيرة بحيث لو أمر به كان من أشق الاشياء عليه (ففي مثل) هذه الموارد يكون نهيه عن الارتكاب مستهجنا عند العرف و العقلا بين أن يكون الشئ منفورا ومشمئزا عنه، ففي هذا القسم من الاشياء لا يرى العرف والعقلا استهجانا في الخطاب بلزوم ترك الارتكاب (لانهم) يرون نهي العاجز عن الفعل بحسب العادة قبيحا كالعاجز عقلا ولا يرون نهي القادر على الفعل المشمئز عنه إذا كان في الفعل مفسدة قبيحا (ولعل السر في ذلك) أن الأمر والنهي حقيقتهما بعث وتحريك نحو أحد طرفي المقدور فإذا كان الفعل بنظرهم غير مقدور فالترك بنظرهم طلب أمر غير مقدور وان كان كلا الطرفين بنظر العقل مقدورا فطلب الترك غير مقدور عندهم بل يرونه مجبورا على الترك فلا يبقى مجال للنهي لما قلنا من أنه تحريك إلى