فنقول (أما المقدمة الأولى) فثبوتها واضحة وغني عن البيان فان كل مجتهد يعلم علما قطعيا أن أحكام الشريعة والدين ليست منحصرة بهذه الأحكام القليلة المعلومة تفصيلا خصوصا بعد ما راجع الاخبار المشتملة على الاحكام الالزامية وفتاوى الفقهاء أيضا كذلك (وأما المقدمة الثانية) أي انسداد باب العلم والعلمي إلى معظم الاحكام فبالنسبة إلى انسداد باب العلم إليه أيضا معلوم، لما ذكرنا من قلة المعلوم بالتفصيل من الاحكام الكثيرة الثابتة في الشريعة، وأما بالنسبة إلى انسداد باب العلمي إليه فلا، لما تقدم من حجية الخبر الموثوق الصدور ولو لم يكن الراوي عدلا بل ثقة (وبعبارة أخرى) تقدم استقرار سيرة العقلا وبنائهم على العمل بالخبر الذي يثقون بصدوره سواء حصل الوثوق بالصدور من عدالة الراوي أو كونه ثقة أو من عمل الأصحاب ولو لم يكن الراوي عدلا أو ثقة، ومثل هذا الخبر كثير واف بحمد الله بمعظم الفقه، لان الأصحاب قديما وحديثا عملوا بأغلب الاخبار المشتملة على الأحكام الشرعية الموجودة في الكتب المعتبرة عندهم.
نعم لو كنا نقول بحجية خصوص خبر العدل بل الثقة أيضا لما كان وافيا بمعظم الفقه والاحكام لقلتهما من جهة أن معنى حجية خبر العدل أو الثقة كون جميع الوسائط عدلا أو ثقة لا بعضها وذلك من جهة أن النتيجة تابعة لأخس المقدمات، فلو كان جميع الوسائط عدلا أو ثقة ما عدا واحد منها فليس ذلك خبر عدل أو ثقة، فيكون خبر العدل والثقة بهذا المعنى قليلا جدا ولا يفي بمعظم الفقه، فيكون باب العلمي منسدا إلى معظم الاحكام، وحيث - لا نقول بذلك ونقول بحجية الخبر الموثوق الصدور لما ذكرنا من سيرة العقلا وبنائهم على ذلك وهو واف بمعظم الفقه -، فالمقدمات غير تامة فلا يمكن تحصيل تلك النتيجة المطلوبة بها أي حجية مطلق الظن فأغلب المباحث الآتية التي ذكروها في دليل الانسداد