ثم إن النهي في مقام الثبوت يمكن أن يقع على أنحاء:
(الأول) - أن يتعلق الطلب بنفس عدم الطبيعة مقابل تعلق الامر بصرف وجودها، غاية الامر الفرق بينهما أن صرف الوجود يتحقق بوجود واحد، وأما إذا كان المطلوب صرف عدم الطبيعة من دون نظر إلى خصوصيات الافراد فلا يقع الامتثال إلا بإعدام جميع أفراد الطبيعة. والسر في ذلك أن وجود الطبيعة يحصل بوجود فرد واحد. و إما انعدام الطبيعة فبانعدام جميع الافراد، ولذلك لو أتى بفرد واحد فقد عصى النهي وسقط بالعصيان ولا يمكن بعد ذلك امتثال مثل هذا النهي.
(وبعبارة أخرى) كما أن للطبيعة وجود سعي جامع بين جميع الوجودات التي لها كذلك للطبيعة عدم جامع بين جميع أعدامها التي هي نقائض لوجوداتها فلو تعلق الطلب بمثل هذا العدم لم يكن امتثاله إلا بترك جميع وجوداتها.
(إن قلت): في ظرف الوجود أيضا لا يمكن حصول ذلك الوجود السعي بسعته بوجود فرد واحد، فالقول - بأن وجود الطبيعة بوجود فرد وعدمها بانعدام جميع الافراد - قول مشهوري لا أساس له (قلنا):
الفرق بين الوجود والعدم أن في طرف الوجود في تلك الكثرات وحدة سنخية تكون هي المقصود من الجامع.
ولا شك في حصول تلك الوحدة بحصول كل واحد من الافراد (و بعبارة أخرى) تكون تلك الوحدة في باب الوجود مثل الطبيعة اللا بشرط في باب المفاهيم، فكما أن اللا بشرط يصدق وينطبق على كل فرد من أفراد الطبيعة ويكون كل فرد من أفرادها مصداقا حقيقيا لذلك المعنى العام كذلك ذلك الوجود السعي والواحد السنخي ينطبق على كل واحد من وجودات تلك الطبيعة. وأما في طرف العدم فالعدم الجامع عبارة عن مجموع الاعدام بإضافة العدم إلى الطبيعة، لان مجموعها يصدق عليه أنه عدم الطبيعة وليس هناك شئ واقعي يكون جامعا بين تلك الاعدام ومنطبقا على كل واحد منها ومحكيا لمفهوم عدم الطبيعة. نعم الصورة الذهنية - لتلك الاعدام المتكثرة في الذهن - واحدة إذا أضيفت إلى نفس الطبيعة، فعدم الطبيعة لا يحصل إلا بانعدام جميع الافراد