منتهى الأصول - حسن بن على أصغر الموسوي البجنوردي - ج ١ - الصفحة ٣٢٣
إطلاق المادة في الرتبة السابقة على ورود الامر على الطبيعة، فظهر مما ذكرنا صحة العبادة إذا كانت ضدا للواجب الفعلي بواسطة الملاك، وأيضا ظهر ان الواجب الفعلي مع ضده يكونان من باب المتزاحمين لا المتعارضين، وذلك من جهة أن الفرق بين المتزاحمين والمتعارضين يكون من جهات ثلاث:
(الجهة الأولى) - هي ان المتعارضين ما لا يمكن اجتماعهما في عالم الجعل و التشريع كل واحد على موضوعه، كما أنه لا يمكن تشريع صحة بيع العذرة وتشريع فساده معا وجمعا لأنهما متناقضين. واما المتزاحمان - فبعد الفراغ عن إمكان جعلهما وتشريعهما كل واحد منهما على موضوعه ووجود الملاك في كل واحد منهما - عبارة عن الحكمين الذين لا يمكن امتثالهما جمعا، بل لا مناص للمكلف من ترك أحدهما، وذلك من جهة عدم قدرته على الجمع بينهما لا من جهة فقدان الملاك في أحدهما كما في المتعارضين، وأيضا تزاحم الحكمين غير تزاحم المقتضيين، لان الأخير عبارة عن وجود الملاكين المتضادين في عالم الوجود في شئ واحد بحيث يقتضي كل واحد من الملاكين جعل الحكم على طبقه ويدفع الاخر وحينئذ فان كانا متساويين لا ترجيح لأحدهما على الاخر فلا بد من إنشاء حكم تخييري على طبق كليهما، بحيث يكون المكلف مخيرا بين العمل بأيهما شاء وان كان أحدهما راجحا فبعد وقوع الكسر والانكسار لا بد من جعل الحكم على طبق أقوى الملاكين والمقتضيين وعلى كل حال يكون أجنبيا عن باب تزاحم الحكمين. ثم إن الحكمين للموضوعين الذين لكل واحد منهما ملاك الحكم لو كان التزاحم وعدم القدرة على الامتثال بينهما دائميا، بحيث لا يمكن امتثال كليهما - ولو مرة واحدة - فيرجع إلى باب التعارض ويكون جعل كليهما بهذه الصورة لغوا قبيحا وممتنعا على الحكيم بل لا بد حينئذ من جعل واحد إما تعيينا إذا كان أحد الملاكين أقوى أو تخييرا إذا كانا متساويين.
(الجهة الثانية) - هي أن الحاكم بالتخيير - في باب التعارض - هو الشرع وإلا فمقتضى القاعدة - بناء على الطريقية - هو التساقط، ولكن الشارع تعبدا
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 ... » »»