هذا بالتعبدي والتوصلي، من جهة أن المأمور إذا لم يعرف غرض الامر فيفعله امتثالا لامره لا لأجل تحصيل غرضه. وأما إذا عرف الغرض فيفعله ويأتي به لأجل ذلك الغرض. وهذا التعريف منسوب إلى القدماء، ولكن أنت تدري بأن هذا المعنى لهما ليس كما ينبغي، لان غرض الامر من الامر - في كثير من التوصليات - ليس معلوما، لان المراد من الغرض في هذا الكلام - على ما هو الظاهر - الملاك و المصلحة التي في المأمور به التي صارت سببا للامر بناء على ما هو الحق من تبعية الأوامر للمصالح، ولا شك في أن أغلب الملاكات غير معلومة حتى في التوصليات، نعم وردت أخبار في علل بعض الشرائع، ولكن غالبا يكون مفادها حكم الاحكام لا عللها، وعلى فرض أن يكون مفادها العلل والأغراض فإنها كما وردت في التوصليات كذلك وردت في التعبديات، ولو كان هذا المعنى اصطلاحا منهم فلا مشاحة فيه، ولكنه أجنبي عن محل كلامنا، لان محل كلامنا في أنه إذا شككنا في اعتبار قصد القربة - بما له من المعنى المذكور في الفقه، وسيأتي شرحه - هل يمكن التمسك بإطلاق المادة الوارد عليها الحكم لرفع هذا الاحتمال وإثبات التوصلية أو لا؟ (الثاني) - أن الغرض من الامر إن كان لا يحصل بصرف إتيان المأمور به بدون قصد القربة فهو تعبدي، والا - أي ان كان يحصل سواء قصد القربة أو لا - فتوصلي، وهذا التعريف وإن كان أحسن من الأول، لكن يرد عليه أن وظيفة العبد هو إتيان المأمور به. وأما تحصيل الغرض فليس من وظيفته، ولا طريق إلى تحصيله الا إتيان المأمور به والكيفية التي يعتبرها العقل في مقام الإطاعة، لأنه هو الحاكم في باب الإطاعة و العصيان.
(الثالث) - هو أن التعبدي وظيفة شرعت لأجل التعبد بها، والتوصلي بخلاف هذا، وأنت خبير بأن قصد القربة على تقدير إمكان أخذه في متعلق الامر بأمر واحد أو بأمرين وجعلين فيكون التعبد - أي قصد القربة - داخلا في نفس الوظيفة وجزءا منها لا علة غائية لها.