ولكن الطلب موجود، لان نفي الامرين مساوق لانكار الامر وهو خلف.
و (بعبارة أخرى) يقولون في علم الكلام في صفات الواجب: إن من جملة صفاته تبارك وتعالى أنه متكلم، ولا شك في أن صفاته تعالى قديمة، والكلام المركب من الحروف والأصوات المتدرجة في الوجود حادث قطعا، فلا يمكن أن تكون صفة من صفاته تعالى، فلا بد و أن يكون هناك أمر معنوي قائم بذاته تعالى يسمى بالكلام حتى لا ينافي القدم، لان هذا الكلام اللفظي ينعدم بعد النطق به، بل ما لم ينعدم جز منه لا يوجد جز آخر منه، كما هو شأن المتصرمات، وما ثبت قدمه امتنع عدمه، فلا يمكن أن يكون هذا الكلام اللفظي قديما ومن صفاته تعالى، مع أنه بضرورة الأديان هو تبارك وتعالى متكلم، و لذلك قالوا بالكلام النفسي، أي كما أن في الانسان الصفات قائمة بالنفس، كذلك بالنسبة إليه تعالى الصفات قائمة بذاته المقدسة، وقالوا بأن هذه الصفة غير العلم، وأيضا غير الإرادة، وسموها في الانشاءات بالطلب الجامع بين الأمر والنهي والاستفهام والنداء، وفي غيرها بالاخبار، فلذا اشتهر انهم - أي الأشاعرة - يقولون بأن الطلب غير الإرادة، وأما أصحابنا الامامية (رضوان الله عليهم أجمعين) فيقولون - وفاقا للمعتزلة - بأن الكلام النفسي بالمعنى المذكور لا وجود له أصلا، بل الموجود في النفس في الاخبار ليس الا الصور العلمية التصورية أو التصديقية، وتلك الصور العلمية التصديقية نسميها بالقضايا المعقولة التي هي مدلولات للقضايا الملفوظة، وأما ما عدا ذلك فليس شئ يسمى بالكلام النفسي، و يكون مدلولا للكلام اللفظي، وأما الطلب في الانشاءات فهو عين الإرادة، و ليس شئ ورأها حتى يكون هو الكلام النفسي.
وأما ما يقال من أن انكشاف ثبوت القيام لزيد مثلا للنفس علم، وأما إقرار النفس وإذعانها وحكمها بذلك فهو غير العلم، فهو الكلام النفسي، وصفة من صفات النفس بالنسبة إلى النفوس الانسانية، و صفة من صفات الذات المقدسة بالنسبة إليه تعالى.