بإيجاب نفس الفاعل لا يخرج الفعل عن كونه اختياريا إذا كان مسبوقا بالإرادة ومباديها وقد ذكرنا كلامهم بالتفصيل، وإما ان نقول بأن لزوم وجود الشئ عند وجود علته التامة وانه بدونه لا يوجد إنما يكون في الفاعل الطبيعي لا الإرادي.
و (بعبارة أخرى) هذه القواعد التي ذكرتم والتزم الحكماء بها لا تجري في الفاعل المختار، مثلا الفاعل المختار الحقيقي وهو الله جل جلاله مع أن ذاته تعالى علة تامة لوجود المعلول الأول من دون مدخلية أي شئ لأنه في ذلك المقام وذلك الفرض ليس شئ آخر غير ذاته المقدسة لان الكلام في المعلول الأول مع الواجب حتى يكون له المدخلية، ومع ذلك ليس صدور الفعل - أعني المعلول الأول - ضروريا بل هو تعالى بذاته مختار يمكن عدم صدور المعلول الأول منه تعالى ويمكن صدوره بعد حين بلا وجود أي شئ وحدوث أي أمر آخر وقد ذهب إلى هذا المسلك جمع من المتكلمين.
(المبحث الثاني في ما يتعلق بصيغة الامر) وفيه أيضا جهات من الكلام:
(الجهة الأولى) - أنه ذكروا لصيغة الامر معاني كثيرة من التهديد والانذار والاستهزاء و الطلب الحقيقي وغير ذلك مما ذكروه في الكتب المفصلة الأصولية، والأقوال والاحتمالات هاهنا كثيرة من الاشتراك اللفظي في الكل والمعنوي كذلك أو اللفظي في البعض والمعنوي في البعض الاخر والحقيقة في البعض والمجاز في البعض بالآخر، إلى غير ذلك من الاحتمالات.
والتحقيق أنها مركبة من مادة وهيئة، اما المادة فهي موضوعة بالوضع الشخصي للحدث الكذائي سواء كانت متهيئة بهيئة الامر أو الماضي أو المضارع، وأما الهيئة حيث أنها من قبيل المعاني الحرفية و قد تقدم في وضع الحروف أنها موضوعات للنسب والارتباطات لتحكي عنها في عالم البيان وإظهار المراد عند المحاورة فلا بد أن تكون هيئة الامر أيضا كذلك موضوعة لسنخ من أنواع الارتباطات والنسب، فإذا راجعنا وجداننا نرى أن في مادة صيغة الامر نسبتين:
نسبة إلى الامر ونسبة إلى المأمور ونسبتها إلى الامر نسبة الباعثية والطالبية، وإلى المأمور نسبة