الامر أنه عبد مملوك لا يقدر على شئ الا بإذن سيده، فحيث ان نكاحه كان بدون إذن سيده فعصى سيده وتصرف في سلطانه، فلا يجوز نكاحه الا بإجازته، فهذه الرواية تدل على أن كل من أوجد معاملة مشروعة بحسب أصل الشرع وكان تصرفا في سلطان الغير، فيجوز بإجازته. ومعنى هذا صحة المعاملة الفضولية إذا تعقبت بإجازة المالك، وأين هذا من دلالة النهي على الفساد وعدم دلالته؟ وأما ما حكي عن أبي حنيفة والشيباني من أن النهي في كلا المقامين - أي العبادات والمعاملات - يدل على الصحة بتقريب أن متعلق النهي لا بد وأن يكون مقدورا فعله وتركه حتى بعد النهي ليمكن موافقته و مخالفته، ولو كان النهي عنهما موجبا لفسادهما فلا يمكن للمكلف مخالفة هذا النهي، لأنه بنفس تعلق النهي بهما خرجا عن تحت قدرته ولا يمكن له إيجادهما (ففيه) أنه (اما في العبادات) فقد تقدم ان متعلق النهي ليس العبادة الفعلية، بل الوظيفة التي شرعت لان يتعبد به بمعنى أنه لو تعلق به أمر ولم يتعلق به نهى لم يمكن امتثاله ولا يسقط امره ولا يحصل الغرض منه الا بإتيانه بقصد القربة. و (أما في المعاملات) فمتعلق النهي أيضا ليس هو المعاملة الصحيحة الشرعية حتى يلزم هذا الاشكال، بل المتعلق هي المبادلات العرفية كما في بيع الخمر، فإنهم - مع علمهم بفساد بيع الخمر - يبادلونها بالمال و يبنون على صحته ويرتبون جميع آثار الصحة عليه، فيندفع الاشكال من أصله.
(المقصد الثالث في المنطوق والمفهوم) عرف المنطوق بأنه ما دل عليه اللفظ في محل النطق، والظاهر من هذه العبارة هو أن المنطوق هو المدلول المطابقي للفظ أو التضمني ان قلنا بأن للفظ مدلول تضمني خلافا لما ذهب إليه شيخنا الأستاذ (قده) من إنكاره، وأن مداليل الألفاظ - التي نسميها بالمفاهيم باعتبار، وبالمدركات العقلانية والصور الذهنية باعتبار آخر - بسائط ليس لها أجزاء حتى تكون دلالة اللفظ على بعض تلك الاجزاء دلالة تضمنية، لان هذين القسمين هما مدلولا اللفظ في محل النطق، بخلاف المدلول الالتزامي