أن يكون الامر فيهما كذلك عند الشرع أيضا، غاية الامر قد يتحد المصداق الحقيقي عند العرف والشرع، وكذا التنزيلي لديهما، وقد يختلف فيكون ما هو القذر عند العرف تنزيلا أو حقيقة، كيد غسال الأموات ويد الكناس بعد غسلهما أو يد المباشر لاصلاح البساتين والأعناب طاهرا عند الشرع حقيقة، وقد يكون ظاهر الحسي والنقي في نظر العرف كالكفار المواظبين على التنظيف قذرا ونجسا عند الشرع ادعاء، وبالجملة فبعض ما هو المصداق الحقيقي للقذر أو الطاهر في نظر العرف مصداقا لهما كذلك عند الشرع، وبعض ما هو القذر حسا أو حقيقة عند العرف طاهرا ادعاء عند الشرع وبالعكس، فعلى هذا يمكن أن تكونا باعتبار بعض مصاديقهما عند العرف كالحياة وغيرها من الموضوعات الجعلية بالتنزيل والادعاء، فلا تكونان بشئ من أفرادهما اعتباريا محضا كالملكية وأمثالهما، التي ليست في الخارج إلا أمرا اعتباريا ووجودها ليس إلا باعتبار مناشيها، فإذا كان الامر كذلك عند العرف، فيمكن أن يتعدى منه إلى الشرع، فيقال إن العرف يرون الشئ قذرا مع إنه ليس بقذر، فكذلك الشارع الحكيم ربما يدعي قذارة أشياء لا تكون كذلك حسا وخارجا في نظر العرف، وذلك لعدم التفاتهم إلى الملاك، فلو التفتوا إليه لحكموا بقذارتها، يعني إن مناط الاستقذار أمر لو التفت إليه العرف لرأوه قذرا، ولكن الشارع لاحاطته التامة بكنه الأشياء ومصالحها ومفاسدها بعناية منه تعالى يراها قذرا أو طاهرا، فيحكم في مورد الطاهرة العرفية بالقذارة وفي مورد القذارة العرفية بالطهارة، فبهذا المعنى تكونان جعليتين للشارع باعتبار بعض الافراد من جهة أمره فيه بالبناء على إنه طاهر أو قذر، وإلا فروح الطهارة والقذارة أمر واقعي، فلا تكون جعليتهما بمثل الملكية، فإن الملكية منحصرة في الجعل والانشاء ولا يتحقق بالتنزيل والادعاء ما لم تثبت بالجعل أولا، بخلاف محل البحث في المقام فإن المرتبة الأولى كانت أمرا واقعيا، والثانية جعلية عرفية والثالثة جعلية عند الشارع، فلا بد في المقام من التفصيل في إن التفاوت في النقاوة والقذارة أمران واقعيان حسيان في بعض الموارد وتنزيليان ادعائيان، أما عند العرف والشرع أو الأخير فقط في بعضها الاخر، فهما من الأمور الجعلية باعتبار هذا البعض، لكن من الجعليات التي تحصل حقيقتها بالجعل والانشاء، بل هو نظير
(٢٤٩)