مجعولة ولا منتزعة عن أمر مجعول، بل هي حينئذ مجعولة بالجعل التكويني الغير المختص بالأمور الاعتبارية وخارجات المحمول، كالملكية والرقية وغيرهما، ثم لا يخفى إن الحجية بالمعنيين المتقدمين مختصة بالامارات كالخبر والشهرة والاجماع المنقول، فإن الأصول لا حكاية لها عن الواقع ولا ملازمة بينها وبينه، وأما من يرى إن التنزيل الذي هو عبارة أخرى عن التشبيه المستلزم لوجه شبه بين الطرفين لابد من استتباعه لجعل حكم تكليفي للمنزل مماثل لما يحكم به العقل للمنزل عليه من وجوب الاتباع والجري على طبقه، فله أن يقول إن الحجية إما مجعولة بناء على كونها عين هذا الوجوب الطريقي المجعول لاتباع الامارة كوجوب الاحتياط والاختبار على المرأة أحيانا، وإما منتزعة وله أن يعمم الحجية بين الامارة والأصول، فإنهما مشتركان في وجوب الاخذ بهما كل في مورده، وإنما يفترقان من جهة أخرى وهي كون الامارة كاشفة عن ذيها، وكون الأصول وظائف للشاك في ظرف ستر الواقع، فالامارة رافعة للسترة والجهل ولو ادعاء، وأما الأصول فلا، ومن جهة اختلافهما واختلاف ألسنة أدلتهما تقدم الامارة على الأصل حكومة، أو ورودا، هذا كله في مقام التصور وبيان لازم كل صورة مما تصورنا، وأما التصدي لمقام التصديق فهو وإن كان قد أطيل الكلام فيه في مبحث جعل الامارة والظن، كما إنه المناسب له، إلا إنه لا بأس بالإشارة إلى المختار وما في غيره على الاختصار، فنقول مقدمة إن من الأمور المسلمة إن العقلاء يعاملون مع بعض الأمور معاملة العلم ويرونه بيانا للشئ وقاطعا للاعتذاء بعدم العلم، وكذا يجرون في ظرف الجهل والشك على ما بنوا عليه من الاحتياط عند الاهتمام والامكان وغيره مع عدمها، ويعبر عن الأول بالامارة وعن الثاني بالأصل، ولا ريب في ثبوت كبرى القسمين في الشرعيات والشرع أيضا، فلو كان بين المتشرعة وغيرهم اختلاف في أمارية ظن أو حجية أصل من الأصول، فإنما هو اختلاف صغروي، وإلا فأصل الكبريين مسلم ولا يبعد أن تكون دائرتهما أوسع عند العقلاء مما لهما عند الشرع والمتشرعة، ولعل الشارع أمضى بعض ما عند العرف والعقلاء، وردع عن بعض، ولهذا ترى المتشرعة طرا يقدمون الامارة على الأصل كالعقلاء، وحكومة أو ورودا ولا يعدون المتخالف منهما من التعارض، فلو لم يكن
(٢٤٦)