في مقدمات الاستصحاب وبيان أدلته، والاخر هاهنا، وقد بينا إن المدار في جريان الاستصحاب على الشك الفعلي لا التقديري، (الثاني) في إنه لا ريب في إن المعتبر في جريانه هو اليقين السابق، ولا اشكال في ذلك، فلا نعيد الكلام هنا، إنما الكلام والاشكال في إنه هل اليقين مقوم لنفس الاستصحاب وركن من أركانه، كما هو المعروف، أو إنه طريق لتطبيقه على المورد، لا يخفى إن ظاهر تعريف المشهور من إن الاستصحاب إبقاء ما كان، هو الثاني ضرورة إنه لم يرد منه إبقاء اليقين فقط، ولم يؤخذ فيه دخله في المبقى وهو الحكم الواقعي، أو موضوعه، وكذا لو استفيد الحكم بالبقاء من غاية (كل شئ طاهر حتى تعرف الحرام)، أو (كل شئ طاهر حتى تعرف إنه قذر)، فإن كلمة (حتى) تفيد استمرار الحلية والطهارة الواقعيتين المفادتين بالجملة الأولى استمرارا وبقاء تعبديا في ظرف عدم العلم بالخلاف، فالاستصحاب المستفاد من الروايتين هو إبقاء الحكم الواقعي عند الشك تعبدا ولا دخل لليقين فيه، فهو وإن كان إحرازا لانطباق الاستصحاب وطريقا إليه، إلا إنه لا دخل في قوامه، ولا يعد على ذلك من أركانه، وقد تقدم منا إن الروايتين غير دالتين على قاعدتي الطهارة والحلية، بل يستفاد منها الاستصحاب، ولا يخفى أيضا إن في اليقين اعتبارين (أحدهما) إنه منور وحاك عن الشئ، وهذا جهة كاشفيته، (وثانيهما)، إنه نور في نفسه وصفة نفسانية قبال سائر الصفات، وهذا جهة صفتيته، فإذا أخذ موضوعا أو جزئه لحكم، فإما أن يكون بالاعتبار الأول أو الثاني، لكن الاجل السيد محمد الأصفهاني قدس سره كان مصرا بإنه ما من يقين أخذ في لسان الاخبار إلا باعتبار المنورية للغير والكاشفية، لا على إنه صفة نفسانية والمختار عندنا أيضا ذلك، إذا تقرر ذلك فيظهر إن نفس هذا اليقين الطريقي المأخوذ من حيث كاشفيته قد يلاحظ بالنظر الاستقلالي، ويكون النهي عن نقضه متعلقا بنفسه لا بما إنه كناية عن المتيقن وعبرة إليه، بل يصير بنفسه معروضا للاتنقض، وتارة يلاحظ بنحو العبرة فيتعدى الحكم عن اليقين إلى المتيقن ويكون معروض لا تنقض هو المتيقن بعنوانه الأولى، فيكون المراد لا تنقض الطهارة والوضوء المتيقن مثلا، فتسري حرمة النقض إليهما ببركة اليقين وكناية عنهما، فعلى هذا يكون مفاد الاخبار إبقاء ما كان عند
(٢٥٣)