تنزيل الظن والخبر أو اليقين السابق منزلة العلم الفعلي باعتبار وجوب اتباعه شرعا، فهي متفرعة على جعل هذا الوجوب الطريقي ومنتزعة عنه، فعلى هذا صح عدها من الاحكام الجعلية بالتبع كالجزئية للواجب، بخلاف المعنى السابق فإنه لا يكون جعليا بذلك المعنى، وليس عليه دليل في أدلة اعتبار الامارة والأصول، فإنها في الأكثر بلسان الأمر والنهي، بل لا يوجد فيها ما يدل على التنزيل المجرد عن الالزام بالبناء، أو تركه، هذا مضافا إلى إنه لا فائدة في حمل الأدلة على إتمام الكشف وتتميمه عدي ما تبخيل من إنه لولاه لما كان تقديم الامارة على الأصول، ولبعض الأصول على البقية وجه، وقد تقدم منا في بحث حجية الخبر إن اختلاف ألسنة الأدلة ولو من جهة أخرى كاف في ذلك، فلا يضر اتحادها من حيث اشتمالها على الالزام بالعمل على طبق الخبر واليقين السابق، فما يدل على إن الظن كالعلم من هذه الجهة، ولم يؤخذ في موضوعه الشك، فهو مثبت للعلم من حيث وجوب الاتباع، ومقتضى لالغاء الشك بهذا الاعتبار، وما يدل على إن اليقين الزائل كالباقي في ظرف الشك في المتيقن ، فهو من حيث الحكم دال على الاستصحاب ولا تصل النوبة إلى الاخذ به إلا في صورة الانتفاء ما يدل على إلغاء الشك، وما يدل على وجوب الاحتياط أو الرخصة في الترك عند الشك، فهو لا ينبغي الاخذ به إلا عند انتفاء الأولين، فمشاركة الأدلة مع اختلاف ألسنتها في إفادة الالزام أو الرخصة لا تقتضي عدم حكومة بعضها أو وروده على الاخر، وأما على المعنى الرابع فهي إن كانت كما ادعاه العلامة الخراساني ويساعده عليه ما فيه (جعلته حجة عليكم) فجعلية بحقيقته وبالاستقلال كالملكية على ما يخفى، إلا إن الكلام في إن هذا أيضا أمر يعتبره العقلاء قبالا لمعاني المتقدمة، أو ينتزعون الحجية عن وجوب الطريقي أو الحرمة، كذلك المتعلقين بالعمل مع ما ليس علما بالفعل معاملة العلم، وقد مر منا في ذلك المقام إنكاره، فتحصل إن الحجية التي تثبت للقطع بأمر لا تناله يد الجعل الشرعي ويد التكويني بالأصالة، وأما ما يدعي من إنها عبارة عن تتميم الكشف، وإتمامه للخبر واليقين السابق وتنزيلهما منزلة العلم، ولو لم يكن باعتبار وجوب الجري على طبقهما، فهي مجعوله بالاستقلال ومتعلقة للإرادة والقصد لا بالتبع، إلا إنها تكوينية لا تشريعية، وأما
(٢٤٤)