وتساقطهما، يرجع إلى قاعدة السلطنة، لكونها سليمة عن المعارض، هذا ما ذهب إليه بعض، وأما الآخرون، فذهبوا إلى قصر سلطنة المالك، بتقريب إن لا ضرر حاكم على أدلة الاحكام والتكاليف، حتى على قاعدة السلطنة، ومثلها مما جعل إرفاقا، وكيف كان فهم يسلمون انطباقها على المورد، غاية الامر يقدم بعض قاعدة السلطنة عليها، بتوهم حكومتها حتى على مثلها أيضا، ويعارضها بالمثل بعض آخر، ولا يخفى إن حفر البئر، أو البالوعة على أنحاء، فتارة يكون مضرا بالجار، بحيث يوجب نقصا في عين داره، أو جداره، وتارة لا يكون مضرا بنفس الدار، ولا بجدارها، بل يوجب نقصا، أو رطوبة في جدار الجار، ويكون مضرا بعالم المالية، بحيث يحصل بسبب ذلك نقص في القيمة، وتصير القيمة أقل، ويوجب قلة رغبة الناس إليها، لان المالية والقيمة يدور مدار رغبة الناس، وأخرى لا يكون كذلك، فلا يكون مضرا بأصل الدار، ولا بالجدار، حتى يصير مشرفا على الانهدام، ولا بالمالية أيضا، بل يوجب نقصا في المنفعة، وهذا على نحوين، فتارة تكون المنفعة الناقصة، ملحقة بالعدم، وأخرى لا تبلغ بهذه المرتبة من النقصان، فهذه مقامات ثلاث، فتارة يضر بالعين، وتارة بالمالية، وأخرى بالمنفعة، والمقامات الثلاث مشتركة في جهة الاضرار، ولا فرق في صدق أصل الضرر في الموارد الثلاث، فيلزم حينئذ على مسلك من قال بحكومة لا ضرر، أن يقول بحكومته وجريان القاعدة في تمام هذه الموارد الثلاث، حتى في صورة نقص المالية أيضا في ملك الغير، ولم يقل به أحد، مضافا إلى إنه يلزم حينئذ منع الناس عن بيع أمتعتهم، بأنقص من قيمتها السوقية، إذا كان سببا لتنزل سعر متاع الغير، كما إذا كان قيمة الحنطة، أو السمن، أو غير ذلك، منا بدرهمين، فباعها المالك بأقل من تلك القيمة، لمحض اللجاج تنقيصا لقيمة متاع صاحبه، لا لغرض عقلائي، أو ترحما على الفقراء، وصار هذا سببا لتنزل القيمة السوقية، وحصل بسبب ذلك نقص في مالية مال الغير، فحينئذ يلزم أن يجوز الفتوى بممنوعية المالك عن بيع ماله بأقل من قيمته، لكونه مضرا بمالية مال الغير، مع إنه لم يلتزم به أحد، فلا مجال في القسم الأخير لتقديم لا ضرر، وبالجملة فمناط لا ضرر في كل من المقامات، حاصل ومع ذلك يفكك بينها بالمنع في الصورتين الأوليين، وعدمه في الأخيرة، والنكتة فيه هي إن قاعدة السلطنة منصرفة عن التصرفات الموجبة لتخريب مال الغير، والتصرف
(١٤٧)