نعم لو كان لا ضرر منافيا للضرر، بقول مطلق، ولو كان منافيا للامتنان، يكون حينئذ رافعا للرجحان أيضا، ولكن قد عرفت بما لا مزيد عليه، إنه ليس كذلك، بل لا ينفي ولا يرفع، إلا الالزام، ويبقى الرجحان على حاله، فظهر إن تطبيق لا ضرر على العبادات الضررية، فيما لا وجه له، وأن حكمهم بالبطلان في صورة العلم بالضررية دون الجهل، من جهة دليل خاص، وليس مربوطا بلا ضرر، وربما يوجه كلامهم بأن الوجوب علة تامة للضرر، في صورة العلم بترتب الضرر على العمل امتثالا، فإنه جالب للقدرة، وملزم لصرفها فيه، فالضرر مستند إليه، فينفي بالقاعدة، وأما إذا لم يعلم بالترتب، فلا علية للوجوب، بل الجهل علة للوقوع في الضرر، فلا استناد له إلى الحكم، فلا يشمل النفي، فلهذا يصح العمل الضرري من الجاهل بترتبه عليه، وهذا التوجيه أيضا، لا يلائم امتنانية القاعدة، فإن مقتضاه الالتزام بانتفاء الحكم الضرري، حتى بمباديه، عند العلم بترتب الضرر على العمل، وقد عرفت إنه لا منة في نفي مبادي الامارة الفعلية، فيصح الوضوء الضرري بقصد رجحانه، لا إنه فاسد، ولا وجه لصحته، فتحصل إن ما عليه التسالم، من أن إطلاق القول بفساد العبادات الضررية، وضوء كانت أو غيره، بمقتضى قاعدة لا ضرر، وتحكيمه على سائر الأدلة، مما لا وجه له، بل الاطلاق مناسب مع الاخذ بأدلة تحريم الاضرار بالنفس، وتقديم جانب الحرمة على جهة الوجوب للأهمية، فإن العبادات المحرمة فاسدة، سواء أتى بها بدعوة الامر، أو الرجحان، لعدم الامر بها، ولا رجحان لها بعد التزاحم، بخلاف ما إذا نفى فعلية أمرها امتنانا، أو لغيره، فإن رجحانها المصحح لقصد التقرب بها باق على هذا التقدير، ولذا قد يتمسك بإطلاق الأوامر في إثبات شرعية عبادة الصبي، والجمع بينها وبين حديث رفع القلم، بأن الالزام مرفوع عنه، لكن ظهور الأوامر في راجحية متعلقها باق بلا معارض، فيؤخذ به إثباتا الرجحان، ويثبت به صحة عبادة الصبي والاجتزاء بها، فيما لو أتى بها في وقتها قبل بلوغه بساعة مثلا، ونحن قد أيدنا هذا الوجه، بأنه لو قيل بانصراف الأوامر عن الصبي، ومن لم يبلغ، لقلنا بعدم الشك في عدم انصرافها عمن يصير بالغا بعد مضي ساعة، أو ساعتين، لعدم شمولها له قطعا، وكذلك الأقل من ساعة مندرج أيضا في الخطابات، بعدم القول بالفصل، فتحصل إن وجه تفصيل الأصحاب بين العالم بضررية
(١٤١)