درر الفوائد - الشيخ عبد الكريم الحائري - ج ١ - الصفحة ١٦٤
والبعد عن ساحة المولى قلت بعد وجود جهة القرب في الفعل كما هو المفروض وعدم مزاحمة شيء للأمر كما عرفت لا وقع لهذا الإشكال لأنه لا نعنى بالقرب المعتبر في العبادات الا صيرورة العبد بتلك العبادة ذا مرتبة لم تكن له على تقدير عدمها ولا إشكال في ان العبد بعد اضطراره إلى مخالفة المولى بمقدار ساعة مثلا لو عمد إلى إتيان مقصود اخر له يكون أقرب إلى المولى بحكم العقل منه لو لم يفعل ذلك وهذا واضح جدا وعلى هذا نقول لا منافاة بين كون هذا الفعل موجبا للبعد والعقوبة من جهة اختياره السابق وموجبا للقرب إذا طبقه على عبادة من العبادات بمعنى انه في الحال التي يقع منه هذا المقدار من الغصب قطعا لو طبقه على عبادة من العبادات التي فيها جهة حسن أحسن من ان يوجده مبغوضا صرفا وهذا المقدار من القرب يكفي في العبادة. وبعبارة أخرى لو فرضنا عبدين أوقعا نفسهما في المكان الغصبي بسوء اختيارهما فاضطرا إلى ارتكاب الغصب بمقدار من الخروج فأوجد أحدهما في حال الخروج عملا راجحا في حد ذاته طلبا لمرضاة الله دون الاخر فالعبدان مشتركان في استحقاق العقاب على الدخول في المكان الغصبي والخروج ويختص الأول بما ليس للثاني ولا نعنى بالقرب الا هذا المعنى (1)

(1) فان قلت ما ذكرته من التقريب في حال الاضطرار جار بعينه في حال الاختيار أيضا بمعنى انا لو فرضنا عبدين مختارين في الغصب ولكن يختار أحدهما طلبا لمرضاة الله تعالى فعل الصلاة دون الاخر فهما مشتركان في معصية الغصب ويختص أحدهما بما ليس للآخر غاية الفرق بين الحالين انه في حال الاضطرار النهي ساقط فلا مانع من الأمر وفي حال الاختيار اما نقول بوجود الأمر مترتبا على عصيان النهي ان صححنا الترتب في مبحث الضد واما نقول بكفاية الجهة ان لم نصححه هناك قلت بعد ما فرضنا تعلق النهي بالفرد بتمام مشخصاته كما هو مبنى القائل بالامتناع فلا يبقى للأمر مجال وهل هو الا اجتماع الضدين في محل واحد واما وجود الجهة المحسنة فلا ينفع شيئا بعد فرض قيامها بالاختيار السوء المؤثر في بعد البعد عن ساحة المولى ولا يمكن ان يصير العبد باختيار واحد مبعدا ومقربا والحاصل ان الفرق بين الحالين عدم سقوط ملاك النهي عن التأثير فيه في إحداهما وسقوطه في الأخرى بواسطة لا بدية وقوع المتعلق ومجرد المبغوضية الساقطة عن الأثر لا تضاد الأمر والا لما اجتمعت مع الأمر في المثال المذكور في المتن أيضا ان قلت غائلة التضاد بين الأمر والنهي لا ترتفع بمجرد كون النهي قبل الدخول والأمر بعده لوحدة الموضوع وبقاء ملاك النهي وانما المجدي لرفع التضاد اختلاف زمان الموضوع ولو مع وحدة زمان الحكمين قلت ان أريد امتناع تعلق الأمر بذات الخروج من حيث هو مع قطع النظر عن جهة أخرى طارئة فهو حق لا محيص عنه وان أريد امتناعه ولو بملاحظة الجهة الطارية ففيه منع وأصح لأن المبغوضية الساقطة عن الأثر لا تمنع عن الأمر إذا وجد له جهة طارئة ثم انا قد حققنا عدم مقدمية فعل أحد الضدين لترك الاخر وعليه فلا وجه لتوهم المقدمية في المقام ولو فرض الغض عن ذلك وسلمنا المقدمية فلا إشكال في ان الخروج ليس مقدمة لترك الغصب الزائد والا لزم تحصيله ولو بتحصيل مقدمية طارئة عليه بعد الدخول و ح فلا مانع من الأمر المقدمي لكون هذه الجهة أيضا من الجهات الطارية (منه)
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»