المقام المعلوم الكذب، وهو غير منطبق واقعا على شئ معين من الخبرين، بل ولا ينحصر أيضا أطراف تردده بين هذا الخبر بتمام مدلوله، وذاك الخبر الآخر بتمام مدلوله، إذ من المحتمل أن يكون الكاذب، بمعنى الغير المطابق للواقع، مقدار من هذا ومقدار من ذاك، بأن كانا صادرين جميعا ولم يكن ظاهرهما مقصود القرينة، اختفيت، فصار المحصل ان المعلوم هو كذب المجموع من حيث المجموع من مؤدى الخبرين، وما عدى هذا المجموع - أي شكل فرض - محتمل الكذب، فيكون الواحد المردد بين هذا الماعدي، تحت دليل صدق، ولازم ذلك ثبوت التخيير العقلي بينها جميعا.
إن قلت: هذا على السببية واضح، واما على الطريقية إذا علم بوجود الكذب في عدة أطراف إجمالا، سقط تمام تلك الأطراف عن الطريقية والكاشفية.
قلت: السببية والطريقية مسلكان في كيفية اعتبار الامارات، لا يكاد يختلف بذلك اقتضاء اللفظ وظهور دليل الاعتبار. ونحن قد بينا:
ان هذا التخيير، قضية دليل الاعتبار بعد خروج معلوم الكذب اللا بعنوان، فلا يختلف بأن يكون اعتبار الامارة من هذه الجهة أو من تلك الجهة.
نعم، لا كشف فعلي لشئ من أطراف العلم بالكذب، لكن المدار في الطريقية ليس على الكشف الفعلي.
قوله: إذ لا دليل عليه فيما لا يساعد عليه العرف:
قد عرفت: ان الدليل عليه هو دليل الاعتبار بعد خروج معلوم الكذب المبهم واقعا، فيكون الباقي أيضا مبهما واقعا، ولازمه التخيير، في كل ما يحتمل صدقه منهما ومن جملته بعض كل منهما، كما في كل مقام توجه الحكم إلى مدلول النكرة، نعم، لا يتعين التبعيض المعبر عنه بالجمع، ولا هو أولى من الاخذ بأحدهما وترك الاخر رأسا، بل هما في عرض واحد، لان التصرف في دليل (صدق) فيهما يكون بمقدار واحد بلا زيادة ونقيصة، ليتعين صاحب النقيصة.
قوله: مع أن في الجمع كذلك أيضا طرحا للامارة والإمارتين:
ليس للظهور اعتبار لولا دليل (صدق) الشامل للسند، فحياة أصالة الظهور، الذي يكون تركه محذورا،