والحق من الاحتمالات الثلاث، هو: هذا الاحتمال الأخير، وعليه، فالمقتضى لجريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي، وهو عموم الدليل موجود، والمانع ليس إلا حكم العقل، وهو يختص بمورد يلزم من الترخيص في الأطراف طرح تكليف في مقام العمل.
ثم إن قلنا: إن العلم الاجمالي بالتكليف يمنع من الترخيص في بعض الأطراف، فلا إشكال.
وإن قلنا: إنه لا يمنع عن الترخيص في بعض الأطراف، وانما يمنع عن الترخيص في المجموع، احتاج عدم جريان الأصل في شئ من الأطراف إلى ضم مقدمة أخرى، وهي ان الاخذ بواحد معين من الأطراف ترجيح بلا مرجح، والواحد المردد لا وجود له خارجا، ومفهوم أحدهما ليس من أفراد العام، وشمول العام لجميع الأطراف عن كون الحكم تخييريا، مستلزم لاستعمال اللفظ في معنيين:
التعييني والتخييري، فيحصل الاجمال المميت للعموم عن الحجية في جميع الأطراف.
واما الحكم بالتخيير في العمل بين الاستصحابين، كما في كل حجتين اعتبرتا على وجه السببية إذا تعارضتا، فقد يمنع عنه بعدم العلم في المقام بوجود المقتضي للاستصحاب في جميع الأطراف، ليدخل في باب التزاحم بين المقتضيين، ويحكم بالتخيير.
وفيه: ان المقام لا يمتاز عن سائر المقامات فكل طريق لاستكشاف الملاك في سائر المقامات بعد فرض سقوط التكليف، عن الفعلية، موجود هنا أيضا ولو تمت المناقشة هنا عمت سائر المقامات، وصح أن يقال: لا يعلم بوجود ملاك وجوب الانقاذ في إنقاذ الغريقين المتزاحمين بعد سقوط التكليف عن الفعلية، الذي كان هو الكاشف عن الملاك انا.