تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٢٣٣

____________________
وأجيب عن الأول (1) بأن كلام النحاة معارض بما اشتهر بين الأصوليين من كونه موضوعا للأعم مع كونهم أدق نظرا وأشد فحصا، ومما يشهد على وهنه عدم تشبث الفحول به مع أنهم استندوا له بأمور واهية جدا، وتعلقوا بما يمكن التعلق به ولو كان ظاهر الفساد، مع أن منهم من كان من فضلاء العربية، ومع ذلك يحتمل إرادتهم تعلق الخطاب في الحال وإن كان ممتدا وثابتا بعده أيضا، ولا يخفى ضعف ما عدا الأخير الذي مطابق لما حققناه، فهو الجواب الحاسم لمادة الاحتجاج.
وعن الثاني (2): بأن الاحتياط من الأدلة العملية ولا ربط له بالوضع، مع عدم لزومه في نحو المقام، فإنه لازم فيما شك في المكلف به بعد ثبوت أصل التكليف لا في التكليف وهنا من قبيل الثاني، فإن إطلاق الأمر يقتضي عدم التوقيت فيدفع احتمال المسارعة بالأصل، مع أنه معارض بمثله من لزوم التراخي، إلا أنه قال في النهاية: " من توقف في الامتثال بالمسارعة خالف إجماع السلف ".
والأول والأخير حق متين والأوسط فاسد بالجزم واليقين، فإنه كلام لا يصلح ناقضا لما رامه المستدل، لظهور عبارته في أن الموجب للاحتياط أمر خارج عن مجرد احتمال التكليف بالفور، فلا يرد عليه أنه لا يجري في موضع الشك في التكليف، مع أن له أن يدرجه في عنوان الشك في المكلف به بإرجاعه إلى دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين، كما يقتضيه أحد محتملات الفور القاضي بكون الفورية شرطا في الصحة.
والأولى أن يقال - في رد الاستدلال -: بأن الموجب للاحتياط إن كان تيقن الاشتغال بالفعل المستدعي لوجوب اليقين بالامتثال، فيدفعه: عدم توقف ذلك على المبادرة والاستعجال، لعدم منافاة التأخير لحصول الامتثال فيكون مخيرا بينهما بحكم العقل الناشئ عن إطلاق اللفظ، وإن كان خوف الفوات بالتعذر أو التعسر عند التأخير - كما هو عبارة الدليل - فيجب الفور احتياطا من باب وجوب دفع احتمال الضرر.
ففيه: أن الاحتمال ما لم يكن عقلائيا لا يجب دفعه جزما من العقل والعرف والعادة وإلا لتضيق جميع الموسعات وانسد أبواب جميع المعايشات، وما ذكر من الخوف احتمال لا يعتني به العقلاء أصلا ما لم يبلغ حد الرجحان، كما يظهر بملاحظة طريقتهم في مطلقات الأوامر العرفية.
وقد تقدم في تقرير الدليل على المختار الإشارة إلى بعض ما يشهد بذلك.

(1) والمراد به قول النحاة: " بأن الأمر للحال ".
(2) أي قوله: " والاحتياط لخوف عروض التعذر أو التعسر ".
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»