الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤٢٥
ومنها أن لا يكون مسبوقا فيه بتقليد مفت آخر أما بالنسبة إلى الوقائع الخاصة التي التزم فيها بتقليده فموضع وفاق على الظاهر ويدل عليه الأصل وقد سبق تحقيقه في صورة رجوع المفتي وأن جواز العدول فيها يؤدي إلى اختلال نظام الشريعة إذ يمكن أن يستحل المقلد بهذه الحيلة ما فوق الأربع والجمع بين الأختين وأن يستحل جماعة لامرأة واحدة ويستحل امرأة لعدة رجال وذلك بأن يكون صحة عقد البعض مبنية على تقليد مفت فيرجع عنه في استحلال الاخر وأما بالنسبة إلى غير تلك الوقائع فمحل خلاف فذهب جماعة إلى المنع فيه وربما كان مستندهم أصالة بقاء الحكم المقلد فيه في حقه لثبوته بالتقليد فيستصحب ولاستلزامه البناء على حكمين في واقعتين يقطع بفساد أحدهما في إحداهما ولأن آية أهل الذكر دلت على جواز التقليد عند عدم العلم بالحكم والمقلد عالم به بتقليده الأول فلا يتناوله عمومها وذهب جماعة على ما قيل إلى جوازه و تبعهم فيه بعض أفاضل العصر واحتج عليه بأن التقليد لا يفيد المقلد العلم بالحكم الشرعي وإنما يفيده جواز العمل بالنسبة إلى ما التزم به فيه من الوقائع الخاصة فيكون التقليد في كل واقعة تقليدا ابتدائيا فيتخير في الواقعة التي لم يقلد فيها في الرجوع إلى أي مفت شاء لعدم ثبوت حكم معين في حقه بالنسبة إليها ظاهرا وهذا عندي غير سديد بل التحقيق أن التقليد لا يكون إلا في الحكم الشرعي بقول مطلق كما هو الظاهر من أدلته ومما ينبه على ذلك أن التقليد إنما يتحقق بالأخذ بقول المفتي إذا أخذ على الوجه الذي أفتى به ومن الواضح أن قضية فتوى كل مفت ثبوت ما يفتي به في كل مورد من موارد موضوعه لا من حيث خصوصية ذلك المورد بل من حيث تحقق عنوانه الكلي فيه فإذا أخذ بقوله في مورد بهذا الاعتبار فقد أخذ به في سائر موارده حتى إنه لو أخذ بالفتوى في خصوص واقعة ثبت في حقه بالنسبة إلى بقية الوقائع التي يماثلها من غير حاجة إلى استئناف تقليد فيها وألغي اعتباره للخصوصية إن لم يعتبرها شرطا للاخذ وإلا بطل تقليده لانتفاء ما علقه عليه ولو قلد مفتيين في واقعتين متماثلين دفعة واحدة بطل تقليده فيهما مع الاختلاف قطعا وربما يلزم على ما زعمه الفاضل المذكور جواز ذلك لتغاير الموردين وهو كما ترى و يمكن أن يستدل على القول الثاني بأصالة بقاء التخيير لثبوته قبل التقليد فيستصحب بعده فيترتب عليه أثره الشرعي من جواز الاخذ بقول الاخر وبهذا يظهر الجواب عن الحجة الأولى للمنع فإن أصالة بقاء الحكم المقلد فيه معارضة بأصالة بقاء التخيير وهي محكمة عليها ويمكن الجواب عن حجته الثانية بأن مبنى التقليد على الظاهر فلا يقدح العلم الاجمالي بعدم ثبوت أحد الحكمين في إحدى الواقعتين كما في صورة رجوع المفتي وعن حجته الثالثة بأن أدلة التقليد لا ينحصر في الآية المذكورة فلا يقدح عدم شمولها للمقصود على تقدير شمول غيرها له مع أن لنا في دلالة الآية على المقام كلام سبق التنبيه عليه نعم يشكل التمسك بأصالة بقاء التخيير فيما إذا كان القول الاخر حادثا بعد التقليد إذ لا يتخير حينئذ قبل التقليد ليستصحب وأما كونه بحيث لو كان قبل التقليد لخير بينه وبين القول الاخر فغير كاف في إثبات التخيير بعده لجواز أن يكون لتحققه قبل التقليد مدخل في ثبوت التخيير إلا أن يدعى القطع بعدم مدخليته في ذلك وبالجملة فالمسألة قوية الاشكال جدا والاحتياط فيها مما لا ينبغي أن يترك ومنها أن يعلم كون المفتي مفتيا به بالفعل ولو بمعونة الاستصحاب فلا يجوز تقليده فيما علم برجوعه عنه والظاهر أنه موضع وفاق ولا فيما لا يعلم بإعماله النظر فيه وإن علم بأنه إن نظر فيه كان مؤدى نظره كذا لعلمه بطريقه في الاستنباط إذ لا عبرة بشأنية الفتوى اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع اليقين وأما اشتراط العلم بكونه متذكرا لدليل الحكم ولو بالاستصحاب فمبني على اشتراط الفتوى بتذكر الدليل وقد مر أن المختار عدمه فصل يعرف اجتهاد المجتهد بالاختبار المفيد للعلم ويعتبر في المختبر علمه بما يعتبر في الاجتهاد ولو بتقليد من علم باجتهاده وبشهادة العدلين من أهل الخبرة به أو مطلقا في وجه و بالاستفاضة المفيدة للعلم أو بدونه بناء على حجيتها كالبينة وبحكم معلوم الاجتهاد به بناء على تعميم مورد الحكم إلى مثل ذلك كما هو الظاهر لاطلاق قوله عليه السلام فإني قد جعلته عليكم حاكما وهذه الطرق كلها في مرتبة واحدة متى تمكن المكلف من تحصيل بعضها وجب عليه الاخذ به وإذا تعذرت جاز له التعويل على الظن على التفصيل الآتي لان ذلك قضية انسداد باب العلم عند القطع ببقاء التكليف وذهب العلامة في التهذيب إلى جواز الاخذ بقول من يغلب على الظن اجتهاده مطلقا ووافقه الفاضل المعاصر متمسكا فيه بالأصل إذ لم يثبت اشتغال الذمة إلا بالأخذ عمن هو مظنون الاجتهاد لقيام الاجماع على ثبوت الاشتغال بهذا القدر ومن يدعي الزيادة على ذلك فعليه بالاثبات لأنه محل النزاع وبلزوم العسر والجرح في اعتبار ما زاد عليه وكلا الوجهين ضعيف أما الأول فلان النزاع في إثبات الطريق المعتبر إلى معرفة المجتهد وإلا فالاجماع منعقد على جواز الرجوع إلى من اتصف بالاجتهاد الواقعي واقعا وعدم جواز الرجوع إلى من لم يتصف به كذلك وحينئذ فلا سبيل إلى التمسك بأصالة عدم اشتغال الذمة بتحصيل ما زاد على الظن بالاجتهاد لانتقاضه بأصالة عدم البراءة مما علم اشتغال الذمة به واقعا من الاحكام أو الرجوع إلى المجتهد
(٤٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 430 ... » »»