قد يقف على مدارك الفريقين فيترجح في نظره فتوى المفضول و الحجة على جواز التقليد لا ينحصر في الاجماع والضرورة فلا يثبت المنع بمجرد عدم قيامهما على جواز تقليد المفضول مع قيام غيرهما عليه كما عرفت على أن الظاهر من المانعين على عدم جواز الرجوع إلى المفضول مع إمكان الرجوع إلى الأفضل ولو بالرجوع إلى من يروي عنه الفتوى وهذا يؤدي إلى عدم جواز التعويل على فتوى أحد في زمن المعصوم وما قاربه مع إمكان الرجوع إلى الرواية عنه بطريق الأولوية فيجب على المفتي حينئذ العدول عن ذكر الفتوى إلى نقل الرواية عند حاجة المستفتي ولا قائل به ظاهرا ورواية أبان بن تغلب السابقة كالصريح في نفي ذلك والسيرة المستمرة شاهدة على بطلانه مع ما في تعيين الأفضل من الضيق القريب من الجرح وبهذه الوجوه يمكن القدح في كون الشهرة المدعاة في المقام قادحة في عموم الأدلة فالقول بالجواز إذن أوضح وإن كان المنع أحوط وقد يخص المنع ببلد الأفضل ووجهه غير ظاهر لامكان الاطلاع على فتاوي غير الحاضر بالرجوع إلى النقلة عنه وإلى كتبه التي حررها لبيان فتاويه نعم يتجه ذلك في الحكومات لتعذر وصول غير أهل بلده إليه غالبا مع ما في تأخير الحكومة إليه من الضرر المنفي وكذلك الولايات حيث لا يوجد منه منصوبة على إشكال في ترجيح منصوبة على تقدير وجوده لا سيما إذا لم يكن أورع من المفضول ثم على تقدير المنع فهل يمنع من الرجوع إلى المفضول مطلقا فيلزم المقلد بالتفتيش والاستعلام أو تخصه بما لو علم بأفضلية البعض وجهان ظاهر الأدلة يقتضي الأول ثم على تقدير العلم بأفضلية البعض فهل يمنعه من الرجوع إلى المفضول مطلقا أو نخصه بما لو علم بمخالفة الأفضل له في الفتوى وجهان أيضا وظاهر بعض الأدلة المذكورة يقتضي الأول ولو كان أحد المفتيين أفقه من الاخر والاخر أورع منه فالظاهر التخيير مع احتمال تقديم الأفقه لان مدخلية الفقه في معرفة الحكم أكثر من مدخلية الورع فيها وهل العبرة في الأفقه بأن يكون أفقه في أغلب المسائل أو يكفي كونه أفقه ولو في المسألة التي يرجع فيها وجهان أظهرهما في كلامهم هو الأول وقضية بعض الوجوه السابقة هو الثاني وعلى تقديره فالظاهر تعيين الأفقه في البعض بالنسبة إلى البعض الذي هو أفقه فيه حتى إنه لو كان أحدهما أفقه في مباحث الطهارة والاخر في مباحث التجارة تعيين تقليد كل منهما فيما هو أفقه فيه وتخير في الباقي في الرجوع إليهما وإلى من يساويهما فيه ولو كان أحدهما أفضل في بعض العلوم التي يتوقف عليها الاجتهاد كالعلوم العربية وعلم الأصول والرجال فلا يبعد إلحاقه بالأفقه من هذه الجهة لما فيه من مزيد بصيرة في الفقه ولو كان الاخر أفضل منه في علم آخر من تلك العلوم لم يبعد الترجيح بزيادة الأفضلية ويكون ما فيه الأفضلية أدخل في الفقه كالأصول بالنسبة إلى النحو والصرف وأما العلوم التي لا مدخل لها في الاستنباط كعلم الهندسة والحساب فلا مدخل لها من حيث نفسها في الترجيح وقد يتحقق الأفضلية في الفقه باعتبار قوة الحفظ أو الذكاء أو كثرة التأمل أو كثرة الاطلاع أو سعة الباع في الفكر والتصرف أو اعتدال السليقة أو زيادة التحقيق أو التدقيق أو أقدمية الاشتغال ومزيد الاستئناس وقد يتحقق التعارض بين هذه الوجوه والتحقيق أن المرجع في ذلك كله إلى ما يعد صاحبه أفقه عرفا وضبطه على وجه يستغني معه من الرجوع إليه متعذر على الظاهر وكذلك الحال في الأورعية فإنها قد يطرد في جميع الأحوال والأعمال وقد يختلف باختلاف الأحوال و الأعمال والمرجع إلى ما ذكرناه ولو قلد المفضول ثم وجد الأفضل ففي جواز العدول إليه بناء على المنع منه وجهان وكذا لو قلد الأفضل ثم تسافل فصار مفضولا واعلم أن الشهيد الثاني عد في أول كتاب القضاء من الروضة في شرائط الافتاء الذكورية وطهارة المولد والنطق والكتابة والحرية وادعى الاجماع على الأولين والشهرة على الأخيرين فيمكن أن يريد بالافتاء القضاء وأن يريد به مطلق الفتوى كما هو الظاهر ثم على التقدير الثاني فهل يعتبر هذه الشرائط في اعتبار فتواه مطلقا أو بالنسبة إلى غيره خاصة وجهان أظهرهما الثاني ووجهه ظاهر وأما الشرائط المعتبرة في الحكم المستفتى عنه فمنها أن لا يكون معلوما للمقلد بطريق آخر غير التقليد فيه سواء كان معلوما عنده ابتدأ كالاحكام الضرورية والاجماعية عنده أو لقيام دليل عليه علم بحجيته لا من جهة التقليد كما في المتجزي الظان بحجية ظنه عند انسداد باب العلم في ذلك عليه مع علمه حينئذ بوجوب التعويل على الظن أو الشاك في حجية ظنه مع علمه حينئذ بالتخيير واختياره التعويل على ظنه أو علم بحجيته من جهة التقليد كما لو قلد في مسألة التجزي من يقول بجوازه حيث يكون وظيفته التقليد فيه وقد سبق التنبيه على ذلك و منها أن لا يكون المقلد قاطعا بفساده وقد مر ولا عبرة بظن الفساد و يلزم القائل بحجية التقليد من حيث إفادته الظن بالحكم اشتراط عدم الظن بالفساد أيضا بل يلزمه اشتراط الظن به وعليه فلو لم يحصل له الظن بشئ من فتاوي المفتين لم يجز له العمل بها وهو كما ترى ومنها كونه من المسائل التي يحتاج إليها في العمل سواء كان من المسائل المحررة في هذا الفن كمسألة التجزي ومباحث التقليد أو في غيره كمسائل الفقه ومباحث الأخلاق دون مسائل أصول الدين ونحوها اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع اليقين نعم لو استفاد بالتقليد اليقين جاز التعويل عليه في أصول الدين عند البعض و قد مر الكلام فيه
(٤٢٤)