الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤٢٠
لا ينافي في القطع بعدم جواز التعويل عليه فضلا عن الظن به الثالث أن التقليد على ما مر عبارة عن الاخذ بما هو قول المفتي ورأيه و هو إنما يصدق حقيقة مع ثبوت الرأي حال الاخذ ضرورة أن المقيد يزول بزوال قيده أ لا ترى أنه لا يصدق أخذ مال زيد إلا على أخذ ما هو ماله حال الاخذ لا ما كان ماله قبل ذلك ونحو ذلك ولهذا لا يجوز الاخذ بما رجع عنه المفتي فإن الوجه فيه عدم صدق الاخذ بفتواه حينئذ حقيقة وثبوت رأيه الثابت حال الحياة بعد زوالها ممنوع من وجهين الأول أن طريق إثباته منحصر في الاستصحاب وهو لا يجري في المقام لتغير الموضوع فإنه كان في حياته لاحقا له وهو نوع مخصوص أعني كونه إنسانا وبعد الموت يزول عنه هذه الحقيقة ويصير حقيقة أخرى لزوال الحيوانية التي كانت من مقومات حقيقة الانسانية عنه فلا يقصر هذا التغير عن التغير الحاصل في سائر أنواع الاستحالة فإذا ثبت تغير الموضوع فلا سبيل إلى استصحاب وصفه الثابت قبل التغير الثاني أن أكثر معتقدات المجتهد ظنية وبعد الموت لا يبقى له الظن لان الظن من خواص هذه النشأة بل إما أن يصير جاهلا بالحكم بالكلية أو ينكشف له الواقع ويعلم بحقيقة الحال إما مطابقا لما ظنه أو مخالفا له وكيف كان فلا يبقى له الظن الذي علم بثبوته في حال الحياة والعلم الطاري كما يحتمل الموافقة لظنه السابق كذلك يحتمل المخالفة له ولا سبيل للمقلد إلى تعيينه فلا يمكنه تقليده لعدم طريق له إلى معرفة رأيه الفعلي ويشكل بأن دعوى زوال ظنون المجتهد بمجرد الموت وانكشاف واقع الاحكام له به مما لا قاطع عليه من عقل ولا نقل فيتوجه عليه المنع نعم ينكشف ذلك له في القيامة لكن البحث في تقليده قبل قيامها سلمنا لكن الاعتقاد الراجح المتحقق في ضمن الظن مما يمكن بقاؤه بموافقة العلم الطاري له فيستصحب بقاؤه لعدم القطع بزواله إذ التقدير تجويز موافقة علمه لظنه وزوال تجويز النقيض ولا يقدح في حجيته لان حجية الظن باعتبار ما فيه من الاعتقاد الراجح دون تجويز النقيض لا يقال الاعتقاد الراجح جنس للعلم والظن يتقوم في الوجود بما فيهما من فصل المنع من النقيض وتجويزه فإذا ثبت زوال الفصل ثبت زوال الجنس لامتناع بقاء الشئ عند انتفاء ما يتقوم به فثبوته في ضمن العلم الموافق للظن المتقدم عليه ثبوت حدوث لا استمراري فلا يمكن إثباته حينئذ بالاستصحاب بل قضية الاستصحاب حينئذ نفيه لأنا نقول العبرة في البقاء والحدوث في الاستصحاب إلى الظواهر العرفية دون التدقيقات الحكمية ولا خفاء في أن الاعتقاد المانع من النقيض عرفا هو الاعتقاد الغير المانع السابق عليه مع زيادة قوة أثرت فيه المنع فحكمه حكم اللون الضعيف إذا تكامل واعتراه الشدة فإن العقل وإن قضى فيه بزوال الضعيف بالكلية وحدوث الشديد مكانه لكن أهل العرف لا يساعد أفهامهم على ذلك بل يرون الشديد هو الضعيف السابق مع لحوق تكامل وشدة به ويزعمون بقاء ذات الضعيف في ضمن الشديد ولا ريب أن حجية الاستصحاب بجميع أنواعه سمعية وإن عاضده العقل في البعض فيجري حيثما يحكم بوحدة الشئ في الحالين عرفا وإن تعدد عقلا ولقائل أن يقول إنما يجدي هذا البيان في استصحاب الاعتقاد إذا ثبت كون الطاري بعد زوال تجويز النقيض هو المنع من النقيض لامتناع تحقق الاعتقاد بدونهما عقلا و عرفا وأما مع عدم ثبوته فلا إذ كما أن الأصل حينئذ بقاء الاعتقاد كذلك الأصل عدم حدوث ما لا يبقى بدونه أعني المنع من النقيض فيتعارض الأصلان ويتساقطان ولا يقدح العلم بتحقق منع من النقيض لان الكلام في ثبوت منع خاص مقوم للاعتقاد السابق وهو غير معلوم قطعا فإن الاستصحاب لا ينتقض باليقين الاجمالي في غير ما قام دليل على انتقاضه به سلمنا لكن المفتي قاطع بالأحكام من حيث الظاهر وإن كان ظنا بأكثرها من حيث الواقع ومبنى الفتوى على القطع ومرجع التقليد إليه وهو مما يمكن بقاؤه بعد الموت فيصح أن يستصحب للشك في زواله إذ التقدير عدم العلم بمخالفته للواقع والقطع بزوال طريق خاص أعني الظن بالواقع لا يقدح في بقاء العلم بالمؤدى لجواز قيام طريق آخر مقامه فإن العلم بالشئ لا يختلف باختلاف الطرق الموصلة إليه والسر في ذلك أن الطريق سبب إعدادي للعلم والأسباب الاعدادية يجوز أن يتعدد ويقوم بعضها مقام بعض ويمكن دفعه بمثل ما مر فإن بقاء العلم السابق مشروط بموافقة الطريق الحادث له فكما أن الأصل بقاء الأول كذلك الأصل عدم حدوث الثاني سلمنا لكن لا نسلم أن التقليد عبارة عن الاخذ بما هو فتوى الفقيه حال الاخذ بل عبارة عن الاخذ بما هو فتواه ولو قبل الاخذ مجازا أو اصطلاحا لان النزاع معنوي لا لفظي و زوال القيد إنما يوجب زوال وصف التقييد لا زوال ذات المقيد وعدم جواز التقليد بما رجع عنه المفتي للاجماع فيقتصر على مورده سلمنا لكن المفتي قد يكون قاطعا بالحكم الواقعي في حياته والدليل المذكور إنما يمنع من التقليد في ظنياته ولا سبيل هنا إلى التمسك بعدم القول بالفصل لانعكاسه من الجانبين ومما حققنا في المقام يظهر الحال فيما لو علم المقلد بأن مفتية في مسألة معينة بحكم مخصوص ثم علم بأنه قد قطع بعد ذلك فيها ولم يعلم بما ذا قطع و كذا لو علم بأنه ظن ظنا أقوى من ظنه السابق أو قطع قطعا أقوى من قطعه السابق بناء على أن الضعيف والقوي متغايران بالنوع ولم يتعين عنده المورد الرابع أن المجتهد الحي أقرب في الظاهر إلى
(٤٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 415 416 417 418 419 420 421 422 423 424 425 ... » »»