الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤٢٢
أو أخباريا والغالب وجوده وتمكن العامي من معرفته والعلم به بل حصول العلم بذلك للعوام في غاية السهولة جدا فإنا نراهم يسكنون في مثل ذلك إلى إخبار جماعة يثقون بهم من أهل الخبرة لا سيما مع مساعدة بعض الامارات الخارجة عليه ولا يجوز له الرجوع إلى من لم يجتمع فيه الصفات المذكورة حيث لا نقطع بجواز الرجوع إليه إلا بتقليد من اجتمعت فيه الصفات حتى إنه لا يجوز له الرجوع إلى الأفضل الأعدل الغير المتذكر لمستند الفتوى إلا بعد الرجوع إليه في جواز الاخذ منه مع عدم التذكر للمستند لم يقطع المقلد بعدم اعتبار هذا القيد فيعتبر أن يكون متذكر المستند هذه الفتوى بالخصوص في جواز الرجوع إليه نعم قد يسبق إلى ذهن المقلد شبهة يقدح في وضوح بعض المقدمات المذكورة عنده أو يقع الاختلاف في تعيين المجتهد أو الأعلم أو الأورع فيتعين عليه تحصيل العلم به مع الامكان تحصيلا للبراءة اليقينية ومع تعذره يعول على الظن بذلك على الوجه الآتي فسقط مما حققناه ما زعمه بعض المعاصرين من انسداد طريق العلم على المقلد بالكلية لعدم علمه بجواز التقليد ولا بمن يجوز تقليده من الأصولي والأخباري والمطلق والمتجزي و الحي والميت ومن جدد النظر في الواقعة أو اكتفي باستصحاب الاجتهاد السابق فيتعين عليه التعويل على الظن كالمجتهد وذلك لما عرفت من قضاء الضرورة بجواز تقليد المجتهد المطلق الأفضل الأورع المتذكر لمستند الفتوى وأن المراد بالمجتهد هو المتمكن من معرفة الاحكام عن مداركها على وجه يعتد به في عرف العلماء أصوليا كان أو أخباريا وعرفت أن الغالب وجوده في كل عصر ويمكن المقلد من العلم به والرجوع إليه فلا يتم فرض انسداد باب العلم في حق المقلد غالبا حتى يدعى انفتاح باب الظن عليه سلمنا لكن قضية انسداد باب العلم على المقلد جواز تعويله على قول من يظن جواز التعويل على قوله لعلمه بأنه مكلف بالأحكام بطريق مخصوص وبعبارة أخرى يعلم بأنه مكلف بمؤدى طريق مخصوص فوظيفته التعويل على الظن في معرفة ذلك الطريق دون تقليد من يفسد قوله الظن بالحكم كما زعمه الفاضل المذكور وقد مر تحقيق ذلك في بحث خبر الواحد مع أن قضية كلامه عدم جواز تقليد الميت مع عدم حصول الظن بقوله وهذا التفصيل مما لم يذهب إليه ذاهب على الظاهر نعم لو فرض حينئذ ظن المقلد بجواز تقليد من يفيد قوله الظن بالحكم جاز التعويل عليه من حيث ظنه بالطريق لكن يكون حينئذ مخطئا في هذا الظن إذ الطريقة المعروفة بين أهل العلم هو جواز التقليد من حيث التعبد لا من حيث حصول الظن به فالحكم المذكور إن لم يكن قطعيا لكونه إجماعيا فلا أقل من أن يكون مظنونا لكونه مشهورا فكيف يحصل الظن بخلافه ومنها أن التقليد إنما شرع للاستكشاف به عن الحكم الشرعي من حيث إنه تعويل على قول من يتتبع الأدلة وعرف مفادها حال كونه ممن له أهلية ذلك وهذا مما لا يعقل لبقاء حياة المتتبع وعدمه مدخل فيه فينتقح المناط ويثبت الجواز في الحالتين وأيضا إذا ثبت أن ما أدى إليه نظر المفتي هو الحكم الشرعي وإن كان بالنظر إلى الظاهر لزم ثبوته مطلقا فإن حكم الله في الأولين والآخرين سواء ولأنه لو ارتفع عند موت المفتي لاحتياج إلى رافع شرعي فيكون ناسخا له وهو باطل إذ لا نسخ بعد النبي صلى الله عليه وآله اتفاقا والجواب أما عن الأول فبمنع وضوح المناط لا سيما بعد وجود الفارق الذي ذكرناه عن إحاطة المتأخر غالبا بما لا إحاطة للمتقدم به وأما عن الثاني فبأن الأولين والآخرين إنما يتساوون في الاحكام الواقعية دون الظاهرية كما يشهد به اختلاف الاحكام الثابتة في حق المختلفين في الاجتهاد ومقلديهم وأما عن الثالث فبأن جواز تقليد المفتي مشروط ببقائه فزواله بزواله لا يكون نسخا كما في انتفاء كل حكم مشروط بزوال شرطه واعلم أن ما قررناه من المنع من تقليد الميت إنما هو في تقليده الابتدائي كما هو الظاهر وإليه ينصرف إطلاق كلام المانعين وأما استدامة تقليده المنعقد حال حياته إلى حال موته فالحق ثبوتها وفاقا لجماعة للأصل لثبوت الحكم المقلد فيه قبل موته فيستصحب إلى ما بعده ولظاهر الآيات والأخبار الدالة على جواز التقليد فإن المستفاد منها ثبوت الحكم المقلد فيه في حق المقلد مطلقا إذ لم يشترط في وجوب الحذر بقاء المنذر والمستفاد من الامر بمسألة أهل الذكر التعويل على قولهم وقضية إطلاقه عدم الفرق بين بقائهم بعد التعويل على قولهم و عدمه وكذلك الكلام في البواقي ولما في الالزام باستيناف التقليد من الجرح أو الضيق على المقلدين لكثرة ما يحتاجون إليه من المسائل لا سيما مع تقارب موت المفتين وذهب بعض أفاضل معاصرينا إلى بطلان التقليد بموت المفتي واحتج عليه بأن التقليد لا يفيد معرفة الحكم الشرعي في حق المقلد وإنما يفيده جواز العمل به بالنسبة إلى الوقائع الخاصة التي يلتزم فيها به فيكون التقليد بالنسبة إلى كل واقعة تقليدا ابتدائيا ويمكن أن يستدل عليه أيضا بإطلاق كلامهم في المنع من تقليد الميت وفي نقل الاجماع عليه فإنه يتناول التقليد الابتدائي والاستدامي والجواب أما عن الأول فبأن المستفاد من آيات المقام وأخباره جواز التقليد في معرفة الأحكام الشرعية بقول مطلق فيستلزم ثبوتها في حق المقلد بقول مطلق وهذا أيضا هو الظاهر من الاجماع والضرورة القائمين على جواز التقليد وأما قضية انسداد باب العلم
(٤٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 ... » »»