مدار حصوله كما في سائر الشرائط التي تعتبر في التكليف ومن هذا البيان يظهر وجه المعذورية في مسألتي الجهر والاخفات و الاتمام في محل القصر لان وجوبهما لما كان مشروطا بعلم المكلف به تفصيلا لم يحكم بعصيان الجاهل المقصر فيهما ولا ببطلان صلاته إلا أن يكون تقصيره بحيث يفوت في حقه قصد القربة فيكون البطلان من جهة فواتها خاصة ولو فرض كون الجاهل غافلا عن إجمال التكليف أو أنه حصل من الاحكام قدرا اطمأنت نفسه بأن فيه الكفاية أو علم الحكم على خلاف الواقع أو ما أشبه ذلك فلا ريب في معذوريته بالنسبة إلى مرحلة التكليف ولا يخالف في ذلك أحد من العدلية لكن لما كان الفرض نادرا أو ردوا الكلام على ما هو الغالب يرشدك إلى ذلك تعليلهم عدم المعذورية بتقصير الجاهل في أمر التعليم واعلم أيضا أن جماعة من أصحابنا صرحوا بأن الناس في أمثال زماننا صنفان مجتهد ومقلد له وأن عبادة الخارج من الفريقين باطلة و ظاهرهم البطلان وإن كان غافلا عن وجوب تقليد المجتهد و شك بعد العمل في المطابقة بل وإن علم بها وزعم بعض المعاصرين أن حكمهم بالبطلان هنا يرجع إلى ما ذكره الأصحاب من عدم معذورية الجاهل إلا في المقامين وهذا غير واضح لان الظاهر من كلام الأصحاب عدم معذورية الجاهل في صورة المخالفة لا الموافقة فإن هذا هو المفهوم من المعذورية وقضية إطلاق كلام هؤلاء البطلان وإن وافق الواقع فكيف يستقيم دعوى رجوع أحد العنوانين إلى الاخر نعم لو ثبت اشتراطهم في صحة عبادة العامي أخذه من المجتهد مطلقا وإن كان غافلا عن وجوب الاخذ منه اتجه اندراج محل البحث في عموم عنوانهم نظرا إلى فوات شرط التقليد فيكون أحد جزئياته وهذا على تسليمه لا يوجب توافق العنوانين وذهب المحقق الأردبيلي إلى الصحة مع موافقة الواقع وذهب المعاصر المذكور إلى الصحة وإن علم بمخالفة الواقع ما لم يكن متفطنا لوجوب التقليد مقصرا في الرجوع إلى المجتهد فحكم حينئذ ببطلان عبادته وتحقيق المقام وتوضيح المرام أن العامل إذا أتى بعبادة على كيفية مخصوصة فهناك صورة عديدة منها أن يأتي بها عالما بشرعيتها كذلك بطريق معتبر كالاجتهاد والتقليد ولا إشكال في صحة علمه حينئذ سواء بقي على علمه وإن اختلف المدرك أو زال عنه ما لم يعلم بالخلاف ومنه ما لو قطع ببطلان الطريق كما لو عول المقلد على نقل ثقة ثم انكشف له خطاؤه في النقل أو على ظاهر كلام المفتي أو الناقل ثم انكشف له عدم إرادته فإنه يحكم حينئذ بفساد العمل إذا كان المخالفة فيما لا يعذر فيه الجاهل وكذا الحال فيما لو علم المجتهد ببطلان دليله الاجتهادي واقعا وقد سبق بيانه في بحث الاجتهاد ولو شك العامل في أهليته للاجتهاد وعدمها استصحب الحالة السابقة منهما والأحوط الرجوع إلى أهل الخبرة ولو جمع حينئذ بين الاجتهاد والتقليد حيث يتوافقان بأن أتى بالعمل معولا فيه عليهما معا ففي جوازه إشكال منشؤه عدم كونه حينئذ أخذا بشئ منهما بل بالمجموع وهو أمر خارج ولا يقين بالبراءة معه ولو أتى بالعمل حينئذ معولا فيه على الاعتبار الثابت في حقه واقعا من الاجتهاد و التقليد فالوجه جوازه لاخذه بما يجب عليه الاخذ به واقعا وإن جهل تعيينه أو لم يعتبره إذ لا دليل على اشتراطه ومنها أن يأتي بالعمل بطريق لا يعلم باعتباره شرعا سواء كان معتبرا في نفسه أو لا ولا ريب في بطلان العبادة حينئذ لفوات قصد القربة ومنها أن يأتي بالعمل عالما بشرعيته بطريق غير معتبر كما لو عول على فتوى من زعم كونه أهلا للرجوع إليه مع عدم الأهلية كتعويل كثير من العوام على ما يرشدهم إليه آباؤهم وكبراؤهم الغير المجتهدين مع غفلتهم عن وجوب الرجوع إلى المجتهد أو الناقل المعتبر وكتعويلهم على نقل الفاسد المجهول أو الظان للفتوى من غير طريق معتبر عند التمكن من مراجعة المفتي أو الناقل العدل العالم مع عدم حصول العلم لهم بنقله أو أتى بالفعل معولا فيه على ظنه أو حدسه معتقدا جواز التعويل عليه ثم إن استمر على ذلك إلى أن مات فلا حاجة لنا بالبحث عن حاله وإنما حسابه على ربه نعم ربما يحتاج إلى معرفة حكمه بالنسبة إلى ما يتعلق بماله أو بوصيته كما لو أوصى بأن يقضى ما فات عنه من العبادات فيستعلم حكمه من القسم الآتي وإن تنبه و استبصر وجب عليه أن يتطلب حكم الواقعة بطريق معتبر من اجتهاد أو تقليد وحينئذ فلا يخلو إما أن يعلم بموافقة عمله السابق لمعتقده اللاحق أو بمخالفته له أو لا يعلم شيئا منهما فعلى الأول يحكم بصحة عمله على الظاهر إذ التقدير اشتماله على جميع ما يعتبر اشتماله عليه عنده حتى نية القربة وليس هناك ما يصلح أن يكون مانعا من صحته بحكم الفرض إلا عدم استفادة العلم به من طريق معتبر وهو غير قادح مع تحقق المطابقة ويمكن استفادة ذلك بعد موافقته للشريعة السمحة من الاخبار الحاكمة بصحة عمل السائل أو غيره و نفي البأس عنه عند مطابقته للواقع وهي كثيرة متفرقة في أبواب كتب الحديث وسيأتي التنبيه على بعضها فإن العمل المطابق لو كان فاسدا من حيث عدم تحصيل العامل له من طريق معتبر لكان المناسب بل اللازم بيان التفصيل في ذلك مع خلوها عن الإشارة إليه بالكلية وعلى الثاني لا إشكال في بطلان عمله فيما لم يثبت اغتفار الجهل فيه كالجهر والاخفات وسيأتي بيان ذلك وعلى الثالث لا يبعد الحكم بالصحة لا سيما مع خروج الوقت عملا بالاخبار الدالة على عدم العبرة بالشك بعد الفراغ وبعد خروج الوقت إذ المقام مندرج في عمومه ولنتعرض
(٤٢٨)