الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤٣٠
عليها ثم ما أدى طريقه الواقعي إلى كونها صلاة مطلوبة سواء كان الطريق معتبرا مطلقا كالقطع فإن ما قطع بأنها صلاة واقعية صلاة ظاهرية واجبة بالوجوب الظاهري فإن طابقت الواقع فهي صلاة واقعية واجبة بالوجوب الواقعي أيضا فوجوب ما هي صلاة واقعية في المرتبة الأولى من الواقع ووجوب ما قطع بأنها صلاة واقعية في المرتبة الثانية من الواقع إن غايرت الأولى ويتداخل الامتثالان على تقدير المطابقة ويتفارقان على تقدير عدمها فيجب التدارك إذا انكشف الخلاف وبقي المحل لارتفاع العذر المانع من فعلية التكليف الواقعي وأصالة عدم سقوطه بفعل غيره ومثل القطع ما ثبت قيامه مقام القطع من ظاهر الكتاب وظاهر قول المعصوم المعلوم أو المنقول بواسطة عدل أو عدول أو كان معتبرا بعد تعذر العلم كالظنون الاجتهادية المتداولة في أمثال زماننا كفتاوي أصحاب هذه الظنون بالنسبة إلى المقلدين وحكمه حكم سابقه ثم ما أدى طريقه الظاهري إلى كونها صلاة كما لو اعتقد حجية القياس أو تقليد غير المجتهد فأوقعها على وجهه فإن طابقت الواقع تداخل الامتثالان وإلا تفارقا ومتى انكشف مخالفته للمرتبة السابقة وجب تداركها مع بقاء المحل كما في المرتبة السابقة إذا انكشف مخالفتها لسابقتها إلا أن واقع تلك المرتبة واحد وواقع هذه اثنان أحدهما واقع الفعل و الاخر واقع الطريق فكما يجب التدارك إذا انكشف المخالفة لواقع الفعل كذلك يجب التدارك إذا انكشف المخالفة لواقع الطريق مع عدم ظهور واقع الفعل ومنها تعسر العلم بالمجتهد واستجماعه للشرائط المعتبرة في حق كثير من العوام فتعيينه للرجوع إليه ينافي الشريعة السمحة وقضية هذا البيان جواز الرجوع إلى غير المجتهد للغافل والمتفطن وفساده واضح إذ لا عسر في معرفة المجتهد العادل غالبا لامكان الاطلاع عليه بالعلم المستند إلى الاختبار أو القرائن أو الاشتهار أو شهادة عدلين من أهل الخبرة ولو تعذر ذلك كله فالظن طريق إلى معرفته وقد جاء في بعض الاخبار المنع من الرجوع إلى العالم المقبل على دنياه فما ظنك بالفاسق وغير العالم وفي حكم الرجوع إلى المجتهد الرجوع إلى الوسائط الناقلين عنه نعم لا يتعين على الغافل الرجوع إليه ظاهرا لعذر الغفلة ومنها أن المأمور به متى أوقع في الخارج على وجهه لزم حصول الامتثال والخروج عن عهدة التكليف والأصل عدم مدخلية كونه مأخوذا عن المجتهد فيه وهذا الدليل يتجه في حق الجاهل إذا لم يكن مقصرا بحيث ينتفي في حقه قصد القربة لامتناع صحة العبادة بدونه وأما في حق غيره فلا يتم إلا إذا قلنا بعدم تعيين الرجوع إلى المجتهد عليه وقد عرفت ما فيه ثم التمسك بالأصل هنا إنما يتجه على القول بجريانه في شرط العبادة والأولى التمسك بمساعدة إطلاق ما مر الإشارة إليه من الاخبار عليه ومنها الأخبار الدالة على نفي التكليف فيما لا علم به عموما وخصوصا فمن الأول قوله صلى الله عليه وآله وضع عن أمتي تسعة وعد منها ما لا يعلمون وقوله عليه السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم وقوله عليه السلام من عمل بما علم كفي ما لم يعلم ونحو ذلك وإنما يمكن الاحتجاج بهذه الاخبار على نفي وجوب تقليد المجتهد ونفي اشتراطه في صحة العمل بالنسبة إلى الغافل عن وجوب تقليد المجتهد بالكلية ومرجعه حينئذ إلى الاحتجاج بالأصل وقد تقدم وأما بالنسبة إلى غيره فالاحتجاج بها غير سديد لعدم اندراجه في عمومها لان الجاهل المقصر غير معذور عقلا ونقلا ولولا ذلك لأمكن سد باب التكليف بترك النظر في الشريعة وعدم تطلب أحكامها وإن أريد التمسك بهذه الاخبار على جواز أخذ العامي بقول غير المجتهد ففساده واضح لان دلالتها على ذلك إنما تتم إذا لم يكن هناك دليل على تعيين الاخذ بقول المجتهد و قد نبهنا على وجوده ومن الثاني صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السلام قال سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة هي ممن لا تحل له أبدا فقال لا أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك فقلت أي الجهالتين أعذر بجهالته أن ذلك محرم عليه أم بجهالته أنها في العدة فقال إحدى الجهالتين أهون من الأخرى الجهالة بأن الله حرم عليه ذلك وذلك لأنه لا يقدر على الاحتياط معها فقلت هو في الأخرى معذور فقال نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها الحديث ومورد هذه الرواية في الجاهل بالحكم الجاهل الصرف بقرينة قوله عليه السلام لأنه لا يقدر على الاحتياط فإن الجاهل المتفطن تتمكن من الاحتياط وغاية ما يستفاد منها معذورية هذا الجاهل في المورد المسؤول عنه بالنسبة إلى حكمه التكليفي والوضعي و الأول مما لا إشكال فيه كما مر وكذا الثاني لقيام الدليل وهو النص المذكور ولولاه لكان قضية الأصل عدم معذوريته فيه وربما كان ذلك منافيا لما اشتهر بين الأصحاب من عدم معذورية الجاهل إلا في مقامين ليس المقام بأحدهما كما تقدمت الإشارة إليه ويمكن دفع المنافاة بتخصيص كلامهم هناك بالصلاة أو بالعبادات أو بالجاهل المقصر ولو قيل الأصل عدم معذورية الجاهل في الأحكام الوضعية إلا فيما قام الدليل على معذوريته فيه ويعد المقامان من الموارد الخارجة عن الأصل بالدليل كان أسد وأولى وكيف كان فإن أريد بهذه الرواية إثبات جواز رجوع العامي إلى غير المجتهد أو عدم كون الاخذ منه في نفسه من جملة شرائط عباداته فظاهر أنه لا تعلق لها بذلك وإن أريد إثبات صحة عباداته الفاقدة لهذا الشرط حال
(٤٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 ... » »»