تحصيل العلم فيثبت المقصود وبأن قول العلم يجوز أن يكون أمرا بتحصيل العلم وذلك بصرف التوجه فيما يقوله والاصغاء إليه وإن جاز أن يكون بمعنى أعلمك بأن الامر كذا فيكون معناه إيجاد العلم و حينئذ فإخراج الآية عن ظاهرها بمجرد الاحتمال غير سديد ومنها الآيات الدالة على وجوب النظر كقوله تعالى انظروا ما ذا خلقوا في السماوات والأرض وقوله جل شأنه أو لم يتفكروا في أنفسهم و قوله تبارك اسمه أ فلا يتفكرون إلى غير ذلك ولقائل أن يقول بأن الظاهر من هذه الآيات توجه الامر فيها إلى الكفار وكأنهم خصوا بالامر بالنظر والتفكر ليطلعوا على عظم قدرة الله تعالى وإحاطته بالأمور بملاحظة عجائب صنعه ودقائق حكمته المودعة فيما شاهد من خلقه ليتبين لهم أنه تعالى قادر على إعادتهم بعد الموت أو ليرتدعوا عن مخالفته وتكذيب رسله بعد ما اتضح لهم الحق و انكشف لهم الواقع وحينئذ فلا دلالة له على المقصود ومنها أنه يجب تحصيل العلم بالمعارف بالاجماع والتقليد لا يفيده لجواز كذب المقلد فلا يكون مطابقا فلا يكون علما ولأن قول الغير لو أفاده لزم اجتماع النقيضين في المسائل الخلافية كحدوث العالم وقدمه ولأنه لو أفاد العلم لكان العلم بكونه صادقا أما بالضرورة وهو باطل قطعا وأما بالنظر فيستدعي الحاجة إلى الدليل والتقدير عدمه وإلا لم يكن تقليدا ويمكن الجواب بأنه إن أريد بالعلم الجزم المطابق الناشئ عن الدليل فدعوى الاجماع على وجوب تحصيله ممنوعة مع أنها لو سلمت فبقية المقدمات مستدركة وإن أريد به مطلق الجزم أو الجزم المطابق فدعوى أن التقليد لا يفيده ممنوعة والوجوه المستدل بها فاسدة أما الأول فلان تجويز كذب المقلد إن كان بالنظر إلى الجازم فغير معقول لان كل جازم حال جزمه لا يجوز أن يكون جزمه مخالفا للواقع وإلا لم يكن جازما وإن كان بالنظر إلى غيره فغير مفيد و إلا لكان الدليل أيضا غير مفيد للعلم لجواز كذب مدلوله عند غير المستدل كالمسبوق بالشبهة ونحوه وأما عن الثاني فبأنا لا ندعي أن قول كل أحد يفيد العلم للمقلد حتى يلزم منه اعتقاد المتناقضين في زمان واحد عند الاختلاف بل ندعي أن قول الغير قد يفيده وحينئذ فتمنع استفادة العلم من أقوال المختلفين في زمان واحد بل إما أن لا يعلم بشئ منها أو يعلم بأحدها وأما عن الثالث فبأن علم المقلد بصدق من يقلده حدسي ناشئ عن اعتقاد أكمليته والاستئناس بطريقته مع الغفلة أو التغافل عن عدم مدخلية ذلك في إصابة الحق وقد لا يرتدع المقلد بمجرد التنبيه لاستحكام المنشأ في نفسه ولهذا يحتاج إلى مزيد إيضاح بإقامة معجزة أو إيراد حجة جلية ولو فرض أن علمه بصدقه ناشئ عن الدليل كعلمنا بصدق المعصوم المستند إلى برهان العصمة فليس من التقليد في شئ كما أشرنا إليه سابقا ومنها أن الاعتقاد الحاصل بالتقليد في عرضة الزوال فصاحبه غير مأمون على زواله فيجب تثبيته بالنظر دفعا للضرر المظنون ويشكل بأنه إن أريد أن الاعتقاد المذكور عند غير صاحبه في عرضة الزوال فغير مفيد في ثبوت التكليف عليه إذ لا يجب على المكلف دفع الضرر الذي يظنه الغير في حقه إذا لم يوجب ظنه به وإن أريد أنه عند صاحبه في عرضة الزوال فهو على إطلاقه ممنوع بل التحقيق أن ثبات العقائد الحقة ورسوخها في النفس كثيرا ما يستند إلى ملكات القلب وكيفياتها الأصلية والاكتسابية وليس للاستدلال والتقليد كثير مدخل في ذلك ولهذا يتزايد قوة اليقين والايمان بزيادة الورع والتقوى حتى إنه قد يبلغ الورع بصاحبه إلى درجة من الايمان بحيث يمتنع عليه الزوال كما يستفاد من النصوص وقد أشير إليه في قوله تعالى وتثبيتا من أنفسهم وقد يكون المولع في المعاصي والشهوات على خطر في بقاء إيمانه وإن كان حكيما مبرهنا ويقع مثل ذلك في جانب الباطل أيضا وهذا من الأمور الواضحة عند أرباب القلوب و المكاشفة ولا ينافي ذلك ما ذكروه من أن الاعتقاد المستند إلى الدليل ثابت وإلى التقليد غير ثابت لان المراد أن الاستدلال والتقليد ما من شأنهما ذلك وإن جاز التخلف من جهة العوارض الخارجية ومنها ما دل من الاخبار على أن الايمان هو ما استقر في القلب من التصديق بالشهادتين ووجه الدلالة أن الاستقرار لا يتحقق إلا بالدليل والايمان مفسر به إذ لا ثبات للاعتقاد الناشئ من التقليد وما دل على أن المؤمن إذا جعل في قبره و سئل عن ربه ودينه ونبيه وإمامه أجاب بالصواب فيقال له كيف علمت ذلك فيقول أمر هداني الله إليه وثبتني عليه فيقال له نم نومة لا حلم فيها نومة العروس ويفتح له باب من الجنة فيدخل إليه من روحها وريحانها وأن الكافر إذا جعل في قبره وسئل أجاب كما يجيب به المؤمن فيقال له من أين علمت ذلك فيقول سمعت الناس يقولون ذلك فيضرب بمرزبة لو اجتمع عليها الثقلان لا يطيقونها فيذوب كما يذوب الرصاص فلو كان التقليد مجزيا لاكتفي منه بذلك أيضا ويمكن الجواب أما عن الأول فبأن الظاهر من الاستقرار مجرد التحقق أو التحقق على وجه الدوام إلا أن يكون بحيث لا يزول بالتشكيك مع أن الاعتقاد التقليدي قد يكون بحيث لا يزول بالتشكيك والاعتقاد عن الدليل قد يكون في معرض الزوال كما عرفت من بياننا المتقدم فالاستقرار والثبات لا ينافي التقليد ولا يستلزمه الاستدلال وأما عن الثاني فبأن قول المؤمن أمر هداني الله إليه لا يختص بالهداية بطريق الاستدلال وقول الاخر سمعت الناس يقولون ذلك يدل على عدم كونه معتقدا لما يقول به كما يدل عليه تسميته كافرا ولا ينافيه قوله كيف علمت ذلك حيث يدل على كونه معتقدا ذلك لأنه أقرب المجازات إلى العلم لان هذه
(٤١٤)