الواقعي وأما الثاني فلان لزوم العسر والجرح منفي في المقام بأن الغالب إمكان معرفة المجتهد بأحد الطرق القطعية وفرض تعذر تلك الطرق بالكلية بالنسبة إلى جميع مجتهدي العصر بعيد وعلى تقدير ثبوته لا نتحاشى عن التزام جواز العمل بالظن حينئذ مع تعذر الرجوع إلى فتوى الميت المعلوم اجتهاده وأما مع إمكانه فوجهان و لعل أظهرهما العدم وحيث يعول على الظن فلا بد من تقديم الأقوى ظنا فالأقوى مع تعدد المفتين ويتخير مع التساوي وذهب بعض أصحابنا إلى الاكتفاء بدعوى المدعي للاجتهاد مع عدالته والذي يصلح مستندا له أمور منها أن الاجتهاد من الملكات النفسانية الخفية التي صاحبها أدرى بها من غيره فينبغي التعويل في ثبوتها على دعواه كما يعول عليه في نظائره كاحتلام الصبي وحيض المرأة وطهرها وأمثال ذلك وجوابه بالمنع من كونه من الأمور الخفية أما بالنسبة إلى العارف فظاهر لتمكنه من الاستكشاف بالمعاشرة وأما بالنسبة إلى غيره فلتمكنه من الرجوع إلى العارفين ولو سلم فكلية الكبرى ممنوعة إذ ثبوت حكمها في الأمثلة المذكورة لا يفيد الاطراد ومنها آية الانذار فإنها تتناول الانذار بطريق الرواية والفتوى ولم يشترط في القبول العلم ببلوغهم درجة الاجتهاد إذ المراد بالتفقه إنما هو تعلم المسائل الشرعية لا تحصيل ملكة استنباط الفروع من الأصول كما هو معناه المصطلح عليه بين القوم لأنه متأخر قطعا نعم لو علم بعدم بلوغهم درجة الاجتهاد أو لم يظن به في وجه لم يقبل لقيام الاجماع عليه وجوابه أن التفقه عبارة عن تحصيل الفقه وهو إما بطريق التقليد أو الاجتهاد والأول خارج عن محل البحث إذ ليس الكلام في فتاوي المقلد والثاني يتوقف على ثبوته وجواز التعويل فيه على مجرد دعواه في ذلك مما لا يستفاد من الآية وأما تعلم الاخبار وضبطها فلا يعد تفقها إلا في حق من يجوز له العمل بها وهو المجتهد إذ ليس لغيره العمل بغير القطعي منها والقطعي نزر قليل ومنها آية أهل الذكر ووجه دلالتها أنه تعالى أمر بمسألة أهل الذكر ولم يشترط فيه بشئ خرج ما خرج منه بدليل وبقي في ما بقي صورة ما لو ادعى الاجتهاد ولم يقطع بفساد دعواه مع العدالة أو لم يظن به في وجه إذ لا دليل على خروجه وجوابه بعد تسليم شمول الآية لمحل البحث أنها إنما يفيد جواز الرجوع إلى أهل الذكر فلا بد من ثبوت كون المسؤول منهم في جواز الرجوع إليه والمفتي إنما يثبت كونه من أهل الذكر إذا ثبت كونه مجتهدا فإذا توقف ثبوت كونه مجتهدا على ثبوت كونه من أهل الذكر لزم الدور ومنها آية النبأ فإنها تدل بإطلاقها على قبول بناء العدل فيما لو أخبر عن اجتهاد نفسه وقد تقدم المنع من دلالة هذه الآية على قبول خبر العدل في مبحث خبر الواحد فلا نطيل بإعادته فصل إذا قلد المقلد من ثبت عنده جواز تقليده في جواز الرجوع إلى مفت جاز له الرجوع إليه وإن كان من مذهبه عدم جواز الرجوع إليه فمن قلد الأفضل في جواز الرجوع إلى المفضول مع التمكن من مراجعة الأفضل جاز له الرجوع إلى المفضول في بقية المسائل مع التمكن وإن كان من مذهبه عدم جواز الرجوع إلى المفضول حينئذ ومن قلد حيا في جواز تقليد الميت مع التمكن من تقليد الحي جاز له تقليد الميت في بقية المسائل وإن كان من مذهبه عدم جواز تقليد الميت حينئذ وذلك لمغايرة كل من مسألتي جواز تقليد المفضول والميت لبقية المسائل فيجوز الاخذ فيهما أو في إحداهما بقول الأفضل أو الحي وفي غيرهما بفتاوي المفضول أو الميت لا يقال إذا كان من مذهب المفضول أو الميت عدم جواز تقليده مع التمكن من مراجعة الأفضل أو الحي كان اللازم من ذلك عدم ثبوت فتاويه بحسب مؤدى نظره في حق من أراد تقليده لقصره لها في الحقيقة على غيره فإن التقليد عبارة عن أخذ المقلد بما يثبته المفتي في حقه ويبين له أنه حكمه وبالجملة فكما أنه إذا أدى نظر المجتهد إلى ثبوت حكم في حق من اتصف بعنوان مخصوص كالمسافر أو الحاضر أو المختار أو المضطر فلا يتعدى إلى غير المتصف به ولهذا ليس لغير المتصف به العمل به حال عدم اتصافه به بتقليده فكذلك إذا أدى نظره إلى ثبوت الاحكام التي يستفيدها بالاجتهاد في حق العاجز عن مراجعة الأفضل أو الحي فلا تتعدى إلى غير العاجز عنها وليس له الاخذ بها حال عدم اتصافه بالعنوان المذكور لأنا نقول إن أريد أن المقلد ليس له تقليد المفضول أو الميت المانعين من تقليدهما بعد تقليد الأفضل أو الحي في جواز مراجعتهما حينئذ فهذا فاسد قطعا إذ وظيفة المقلد الاخذ بقول من ثبت حجية قوله عنده والعمل بما يفتيه له كائنا ما كان ما لم يقطع بفساده وانتفاء القطع به في المقام واضح وإن أريد منع الأفضل أو الحي من تجويز المراجعة إليهما حينئذ فمع كونه خارجا عن محل الفرض إذ الكلام على تقدير التجويز مدفوع بأن تعيين المفضول أو الميت لحكم الواقعة ليس بالنظر إلى العاجز عن مراجعة الأفضل أو الحي بل بالنسبة إلى كل من جاز في حقه مراجعته بقول مطلق لان ذلك مقتضى نظره في معرفة الحكم الشرعي ومنعه من جواز مراجعة المتمكن حكم آخر والمقلد لم يتبعه في ذلك بل اتبع فيه من أجاز له المراجعة إليه وبهذا يتضح الفرق بين حكمه على عنوان كلي باجتهاد وتعيينه له باجتهاد آخر وبين حكمه على عنوان خاص باجتهاد واحد وهذا واضح جدا وكذا الحال فيما لو قلد مجتهدا في حياته في جملة من الاحكام فإنه يجوز له استصحاب تقليده بعد موته إذا قلد فيه حيا أجاز له ذلك على التعيين أو التخيير ولا فرق في ذلك بين أن يكون من مذهب الميت
(٤٢٦)